حين أطلق صرخاته الأولى أواسط عام 1959، لم يكن حي دخنة في الرياض يعرف أن صاحب تلك الصرخات البريئة سيكون خلال سنوات تالية، أهم راصد وموثق لحركة التأليف والنشر الأدبي في المملكة.

ولم يكتف بهذا الجهد الخلاق الذي يسير دأبا بموازاة احتراقه في أتون الإبداع السردي، قصة ورواية، ليقف عنده، بل هناك جهد بمثابة طريق ثالث سار فيه مبكرا من خلال العطاء الصحفي، ليشكل حالة جديرة للاحترام، حظيت بالتقدير على مدى أكثر من ثلاثة عقود وهي تتألق في المشهد الثقافي السعودي. من دخنة، انطلق خالد أحمد محمد اليوسف المسعود مجللا بابتسامة وضاءة تصحبه كسمت يميزه بين أقرانه، في شخصية انطوت على محبة عموم أبناء الوسط.

لم يكتف اليوسف بهمه الإبداعي والبحثي، إثر نيله شهادة بكالوريوس المكتبات والمعلومات – في كلية العلوم الاجتماعية – بجامعة الإمام محمد بن سعود عام 1983، فعزز تحصيله الأكاديمي بدورات متخصصة في المكتبات والمعلومات والحاسب الآلي، أتاح له عمله منذ تخرجه في مكتبة هيئة الخبراء بمجلس الوزراء، وفي 1986 أصبح مديرا للمكتبة، ثم مديرا للمكتبة والمعلومات وهو المنصب الذي ما زال يشغله حتى الآن.

ولأن الأديب المثقف الحقيقي لا ينطوي على ذاته، متورما بنرجسيته، ومتخليا عن أدواره الاجتماعية، نهض اليوسف كاتب القصة القصيرة والرواية والمقالة، والباحث في المكتبات والمعلومات ليشرف "تطوعا" على النشاط المنبري في الجمعية العربية السعودية للثقافة والفنون، وهناك احتضن عشيقته الأولى "القصة" ومنحها ضوء عينيه وشغاف قلبه، فكان مسؤولا عن نادي القصة السعودي بين عامي 1988 و2003، وكان هذا النادي أول تنظيم مؤسساتي لفن القصة في السعودية، يعقد الأمسيات ويستضيف المبدعين، إضافة إلى إصدار دورية "الواحات المشمسة" المتخصصة بالسرد وقضاياه، موظفا خبراته الصحفية، في تولي مسؤولية تحرير دورية سطعت حقبة الثمانينيات التي شكلت، حسب كثير من الدراسات، لحظة مفصلية في مسيرة الأدب والثقافة السعودية، بما ضخته من أسماء جديدة للمشهد المحلي، وما حملته من رؤى تجديدية، أسهمت في تخليص الأدب المحلي من الرتابة التي كسته أواخر السبعينيات، نتيجة دخول معظم الرواد المنعطف الأخير من حياتهم، وتزامن ذلك مع الوفرة المالية التي حققتها الطفرة النفطية الأولى، ما أدى إلى خفوت صوت الأدب، وتراجعه للمناطق الخلفية من اهتمامات المجتمع.

التجربة الصحفية التي خاضها اليوسف منذ عمله محررا في مجلة عالم الكتب من 1980 حتى 1984، ومحررا في "المجلة العربية" من 1983 حتى 1985، أهلته لتولي رئاسة القسم الثقافي في "المسائية" 1985- 1987، لينتقل بعدها محررا مشاركا وفاحصا لمواد مجلة "التوباد" الفصلية 1989 - 2003.

هذا التراكم للتجارب والخبرات والتأهيل الأكاديمي دفعه ليتصدى لفن جديد لم تعهده الثقافة والصحافة السعودية، ليسجل اسمه باقتدار كأول من نشر وأدخل الببليوجرافيا الأدبية في الصحافة السعودية الحديثة بدءا من 1985 عبر المسائية، وبعد إغلاقها تنقلت الببليوجرافيا في صحف عدة، حتى استقرت في صحيفة الجزيرة، التي تنشرها سنويا، منذ عشر سنوات، مع إعادة نشرها في بعض الدوريات المتخصصة، غير أن هذا لم يرض طموح اليوسف الذي توسع في عطاء بات علما فيه، لتستقل الببليوجرافيا على شكل كتاب ينشر سنويا منذ عام 1435، وصار مرجعا لا يستغني عنه أي باحث في الأدب السعودي، ناهيك عن الصحفيين الذين بات اليوسف صديقا لهم، يتعامل معهم بتواضع ورقي وفي كل الأوقات، لإمدادهم بأي معلومة تتعلق بحركة النشر والإصدارات، حتى استحق لقب "جوكر الببليوجرافيا".

ولأن اليوسف معني بالمعلوماتية، كان من الطبيعي أن يواكب مستجدات العصر وتحولاته، فأسس في 4 ديسمبر 2001 على شبكة الإنترنت العالمية موقع الراصد المتخصص بالمكتبات والمعلومات والسرد العربي، ويعنى بالأخبار والمقالات والبحوث والرسائل الجامعية، ويعد من أوائل المواقع المتخصصة في هذا المجال.

مسافة ذات مساحات وارفة العطاء يقطعها اليوسف في خارطة الأدب والثقافة العربية، وبجهد فردي يؤديه بأريحية وألق يفوق عطاء مؤسسة، يجعل كثيرا من المراقبين المنصفين لا يترددون في تسميته بالمؤسسة "خالد اليوسف" في ظل تراخي وترهل أدوار كثير من المؤسسات الثقافية التي ناب عنها وحضر جميلا مقدما تضحياته بلا كلل أو ملل.

هذه الأدوار لليوسف لن تكتمل دون مواصلته مشواره في إبداعه الخاص، فمنذ 1979 السنة التي نشر فيها "وهم المطر" أول نص في مسيرته القصصية، أخلص كثيرا للقصة القصيرة والرواية، فتتالت أعماله الإبداعية لتصل إلى 11 منتجا هي "مقاطع من حديث البنفسج" 1984، مجموعته القصصية الأولى، ثم ثناها بـ"أزمنة الحلم الزجاجي" 1987، حتى اكتملت أعماله القصصية بالمجموعة الثامنة "يمسك بيدها ويغني"، ومن ثم خاض غمار الرواية ليصدر عام 2009 "وديان الإبريزي" روايته الأولى التي أعقبتها "نساء البخور" 2012، ثم تصدى لتدوين قصة خطوط التابلاين في روايته الأخيرة "وحشة النهار" 2013، وما إن أذن العام الماضي بالرحيل حتى جمع كل نتاجه القصصي في مجلد حمل عنوان "يحدث.. أن تجمع الحكاية أشتاتها" 2015.

اليوسف.. أشتات عطاء لمبدع ومثقف، لم يرتهن إلا لإخلاصه للمعرفة والكلمة والمعلومة، محتشدا بالحب والتواضع، لم يتحجج بمعوقات الواقع، ليكتفي بثرثرات بعض المثقفين وجأرهم بالتشاكي والتباكي، لم تحبطه مماطلات بعض المبدعين والكتاب في التعاون معه، بل خط سطورا تلألأت في فضاءات "كيف أنه بإمكان المثقف الحقيقي أن يعطي ويبدع، إن أراد"، ويقدم نتاجا يفوق ما تقدمه مؤسسة.

 


النتاج البحثي

• دليل الكتاب والكاتبات - تراجم - 1995.

• السرد في اليمن: دراسة ببليوجرافية ببلومترية وحصرية للإنتاج القصصي والروائي في اليمن 2004.

• معجم الإبداع الأدبي في المملكة العربية السعودية: تحليل ببليوجرافي ببلومتري تاريخي، الجزء الأول حول الرواية - صدر عن نادي الباحة الأدبي 2008.

• أنطولوجيا القصة القصيرة في المملكة العربية السعودية: نصوص وسير: صدر عن وزارة الثقافة والإعلام 2009.

• أدب وأدباء المدينة المنورة: دراسة ببليوجرافية وتحليل ببلومتري 2010.

• القصة القصيرة السعودية: شهادات ونصوص – جمع وإعداد 2013.

• التجربة الشعرية في المملكة العربية السعودية: شهادات ونصوص، إعداد وتحرير 2014.