كشف سبط الشاعر الرائد  الراحل طاهر زمخشري « 1906 - 1987 « محمد توفيق بلو ابن سميرة طاهر زمخشري، عن إصداره كتابا جديدا  بعنوان «الأديب طاهر زمخشري في سطور»، تتبع فيه الأغراض الشعرية في نتاج جده .

وقال بلو لـ «الوطن»، لاحظت خلال بحثي، أن موسم الحج مثل أهمية كبرى عنده، فقد خصه منذ بداياته بالعديد من القصائد الشعرية والغنائية، ومعظم دواوينه، خصوصا التي كتبها في خمسينيات وستينيات القرن الماضي، تضمنت قصائد عن الحج من عدة أوجه ومواضيع مختلفة، فمنها وصف المشهد العام لمراسم الحج في مكة ومنى أو صعيد عرفات، بل أنه خص الحج بديوان كامل أصدره عام 1968م/‏1388هـ بعنوان«لبَّيك».



هاتفا باسمك الحبيب

 أضاف بلو قائلا: كان من أوائل إبداعات الزمخشري عن الحج قصيدة بعنوان «طلعة اليُمن» ألقاها بين يدي حضرة صاحب الجلالة المغفور له الملك الراحل عبد العزيز بن عبد الرحمن الفيصل آل سعود بمناسبة قدومه من الرياض لأداء فريضة الحج سنة 1367هـ/‏1947م ونشرها لاحقا في ديوانه الثالث«أنفاس الرَّبيع» الصادر في العام 1375هـ /‏1955م وجاء في مطلعها:


أين يمتَ في ركابك يمنٌ

يملأ الأرض غبطةً والسماء

أين أشرقت تغمر الأفق نورا

وسناء يشع صبح مساء

غبطة، بهجة ، حبورا ، ويمنا

وجلالا وفرحة وضياء

فسل الشمس ما دهاها فغابت؟

هل توارت من المليك حياء



وختمها بقوله

فأغمر الكون بالحبور وصافح

مهجاً نظمت فكانت نداء

هاتفا باسمك الحبيب لتحيا

قدوة الشيب والشباب سواء


 قصائد لم تشتهر


تابع بلو موضحا : تطور اهتمام الزمخشري بموسم الحج من الشعر إلى الاهتمام الإعلامي فكان أول من أشرف على النقل المباشر لمراسم الحج، إبان عمله مع الإذاعة بمكة المكرمة في بدايتها الأولى، ولاحقا طور مشاركاته إلى توظيف الفنون للتغني بموسم الحج من خلال عدة قصائد غنائية، من أكثرها شهرة قصيدة «إلى المروتين» التي لحنها وغناها الموسيقار الراحل طارق عبد الحكيم ، وهناك قصائد غنائية سجلت للحج، لم تأخذ طريقها للذيوع والشهرة، لأن كلماتها ارتبطت بموسم الحج ومنها على سبيل المثال قصيدة «لبيك» التي كتبها في 28 بيتا ولحنت وغنتها الفنانة السورية مها الجابري، ونشرت هذه القصيدة في ديوانه «على الضِّفاف» الصادر في عام 1381هـ/1961م وقال فيها


لبيك رب العالمين

لبيك جئنا طائعين

لبيك بالدمع الهتون يفيضه وجل ورعب

فالعين ترنو للسماء ، ودمعها الهدار سحب

والقلب يلهج بالدعاء وقد تلجلج فيه ذنب

أدعوك ، يا رب العباد ، ولي لي إلاك رب

وهداك للغفران درب

وإله بالآلام نحبو

***

لبيك أرواح يموج بها التبتل في الصعيد

فتذوب حبات القلوب من الضراعة في نشيد

والرجع جذاب الأداء وقد تماوج في الوجود

ينساب من بعض المآزر خُشَّعاً في يوم عيد

يوم التضرع والسجود

يوم المثوبة للوفود


 


موكب الحجيج


تتابع تفاعل طاهر زمخشري مع موسم الحج بإبداعاته الشعرية سنة بسنة، واصفا مواقف ومشاهد مختلفة من الحج لا يتسع المجال لذكرها جميعاً، وعلى سبيل المثال  قصيدتان بعنوان «موكب الحجيج» نشر واحدة منها في ديوانه الثاني «همسات» الصادر عام 1372هـ/1952م، قال في مطلعها:


فجر عيد مكلل بالسعود

غمر الكون بالضياء الفريد

فجر عيد به الترانيم تسري

والأماني تندى بعطر الورود

فجر عيد به التسابيح تشدو

والصدى العذب ساحر التغريد

فجر عيد به النفس تنادي

رب لبيك يا إله الوجود

ربي لبيك بكرة وعشيا

رب لبيك رحمة بالعبيد

رب لبيك طائعين منيبين

ونبدي ضراعة في السجود

رب لبيك فالخطايا جسام

فأجرنا من وقع بطش شديد


 


والأخرى نشرها في ديوانه الثالث «أنفاس الرَّبيع» الصادر عام 1375هـ/1955 نظمها بمناسبة عودة المياه إلى مجاريها بعد الحرب العالمية الثانية، تحية لوفود بيت الله الحرام قال في مطلعها:


 


ألقت عصاها فحيا الخير بساما

من بعد أن عصفت بالناس أعواما

شعواء لا تنزل السراء ساحتها

حمراء ملهبا في ويلها حاما

سقت بني الأنس ويلات وما فتئت

تدس في طبقات الأرض الغاما



وختمها بقوله:

وهذه أمم من كل ناحية

حجت إليه جماعات وأقواما

مستبشرين إليهم في مرابعنا

ترجي التهاني أعواما فأعواما


قصة المروتين


تظل قصيدة « المروتين « الأشهر على الإطلاق من ضمن نتاج جدي الشعري عن الحج، وعن قصة مناسبتها قالت خالتي السيدة ابتسام طاهر زمخشري «في هذه الأيام الفضيلة وعند سماعي إلي أهيم بروحي على الرابية تذكرته، اذكر القصة كيف نزل عليه الهام القصيدة، حيث روى لي «كنت في مصر لطباعة أحد دواويني ،وكنت في دعوة لتناول الغداء عند المذيعة همت مصطفي، وعند بداية المأدبة، قالت همت، ياجماعة كل سنة وانتم طيبين لقد أعلن في السعودية اليوم غرة شهر ذي الحجة.

في تلك الحظة شعرت بغصة وألم، استأذنت وخرجت مهرولا إلى الشارع أمشي في الطرقات ولا أدري إلى أين، أنا تعودت أن أكون في الجبال المقدسة بمكة المكرمة، ولم أشعر إلا وأنا في حديقة الحيوانات،

 أذرف الدمع السخين، وكتبت يا ابنتي تلك القصيدة بدموع ساخنة وحرقة لأنني بعيدعن مكة، ولارتباطي مع المطبعة لم أستطع السفر»».

 كتب القصيدة في 24 بيتا ، أرسلها إلى صديقه الموسيقار طارق عبد الحكيم - رحمه الله - وطلب منه تلحينها وغنائها بمناسبة موسم الحج، وبدوره اختار طارق 12 بيتا ولحنها على الدانة الحجازيةـ وغناها بإحساس عال عكس مشاعر شوق وحنين بابا طاهر لمكة ، لبعده عنها خصوصاً في موسم الحج، وأذيعت بمناسبة الحج، وأصبحت أغنية خالدة في قلوب عشاق إبداعات الزمخشري، ولسنوات طويلة اعتادت الإذاعة السعودية إذاعتها خصوصا في موسم الحج، وأعاد غناءها الفنان محمد أمان - رحمه الله - ولاحقا نشرت القصيدة كاملة في ديوانه الرابع «أغاريد الصحراء»عام 1377هـ/1958م.