في الجزء الأول من دراسة خطة الملازمين القضائيين وقفنا على ستة مواطن من مواطن الخلل في الخطة، واليوم نكمل الدراسة بالابتداء بالفقرة السابعة:

سابعاً/ جاء في البند خامساً الفقرة (د/14،15) ما نصه "14- يكلف الملازم بالملازمة لدى جميع المحاكم (العامة، الجزائية، الأحوال الشخصية، التجارية، العمالية). 15- للملازم عند رغبته الاستمرار في إحدى هذه المحاكم أن يلازم لدى ثلاث محاكم على الأقل على أن يكون من ضمنها المحكمة العامة والجزائية".. انتهى. وهذه الصياغة تنأى عنها الصياغات القضائية؛ إذ كيف تُصدَّر الفقرة الأولى بالتكليف المعبر عنه في القانون بـ "المادة الآمرة"، ثم يعقبها مباشرة فقرة تجعل التكليف غير إلزامي؛ بجعل الخيار للملازم في الاقتصار على ثلاث محاكم من المحاكم الخمس الواجب عليه الملازمة فيها بموجب الفقرة السابقة.

لقد كان بإمكان واضعي الخطة أن يجعلوا الفقرة اللاحقة جزءاً من الفقرة التي قبلها لتكون المادة مكملة لا آمرة. ويمكن صياغة المادة على النحو التالي "تكون الملازمة - قدر الإمكان - لدى جميع محاكم الدرجة الأولى (العامة، الجزائية، الأحوال الشخصية، التجارية، العمالية). وللملازم الاقتصار على ثلاثة تخصصات على الأقل على أن يكون من ضمنها المحكمة العامة والجزائية".انتهى.

ثامناً/ ما تقدم في الفقرة سابعاً بيان لخطأ الخطة من ناحية الصياغة، أما من حيث التطبيق وإمكان حصول منصوص المادة فإن اشتراط مرور الملازم على التخصصات الخمسة خلال ملازمته غير ممكن؛ لأن قسمة فترة الملازمة (3 سنوات) على التخصصات القضائية الخمسة تعطي لكل تخصص مدةً أقل من ستة أشهر بعد حسم مدد الإجازات الواجبة والمتاحة. وهذا يعني أنه لا يمكن للملازم المتفرغ أن يعطي من كامل ملازمته للتخصص الواحد غير أقل من مدتين من مدد الملازمة؛ التي قدرت الخطة أن المدة الواحدة منها أربعة أشهر، وهذا خطأ في التقدير الذي ينبغي ألا يتعارض مع أحكام الخطة، وعليه يجب قسمة المدد بحيث تنطبق على أي خيار متاح للملازم. أما الملازم القضائي غير المتفرغ والمعين في القضاء ابتداءً فلن يتمكنا من استيفاء التخصصات الخمسة للمحاكم العدلية الخمس على الإطلاق.. فما وجه التسوية؟ ولذلك فإن تخفيض المدة الواحدة من مدد الملازمة إلى ثلاثة أشهر يتيح المرور على التخصصات الخمسة للملازم المتفرغ والمفرغ للدراسة، كما يتيح للمعين في القضاء ابتداءً المرور على تخصصين من التخصصات الخمسة خلال مدة ملازمته المحددة في الخطة بستة أشهر.

تاسعاً/ لا تزال إشكالية تصدير الملازم للحكم في القضايا قائمة، ولعل السبب في ذلك هو الخلط بين حق الملازم في نظر القضايا تحت إشراف القاضي وبين تصدره للحكم في القضية باسمه. والتفريق بينهما هو الفيصل في الموضوع، فليس لقائل أن يقول إن وظيفة الملازم هي التفرج والاستماع لما يجري في قاعات المحاكمة دون تدخل منه طيلة ملازمته، ولا أن وظيفته قاصرة على إيراده الأسئلة والاستفسارات على القاضي عند الاستشكال، بل إن مدة ملازمته ينبغي أن تتيح له المشاركة في خوض القضايا، والتدرب على محاورة الخصوم، واستخلاص الشهادات، وتلخيص البينات، والمشاركة في صناعة وترتيب أسباب الأحكام، كل هذا بالاشتراك مع القاضي الذي يجب أن يكون الحكم باسمه هو لا باسم الملازم القضائي، كما للملازم أن يشارك القاضي في الإجابة على قرارات الاستدراك من محاكم الاستئناف، حتى تزول الحاجة إلى ذلك بعد تفعيل قضاء الاستئناف قريباً بحول الله تعالى، أما أن تصدر الأحكام باسم الملازم القضائي، فذلك ما لا دليل عليه؛ لا من نص النظام ولا من فحواه.

وما ورد في النظام من أعمال تسند إلى الملازم إنما تعني مباشرته لبعض إجراءات الدعوى، كما في المادة (110) من نظام المرافعات الشرعية التي نصت على جواز ندبه لتحليف من توجهت عليه اليمين ولا يقدر على الحضور لأدائها في مجلس القاضي، وقريباً منها المادة (102) الخاصة باستجواب من لا يقدر على المثول أمام المحكمة.

عاشراً/ جاء في الفقرة رابعاً المعنونة: نطاق تطبيق خطة الملازمة " أ- نطاق زماني: تتفاوت مدة الملازمة الفعلية باختلاف الملازمين.." ثم في آخر الفقرة ذاتها ما نصه "وعليه فإن فترة الملازمة القضائية تتراوح ما بين ستة أشهر إلى ثلاث سنوات". وهذا يعني أن الخطة عبرت في أول الفقرة عن النطاق الزمني لكامل الملازمة بأنه (مدة)، وفي آخر الفقرة جاء التعبير عن كامل الملازمة بأنه (الفترة)! ثم في الفقرة خامساً المعنونة: آليات عمل الملازم القضائي في المحاكم جاء ما نصه: " ب- مدد الملازمة: تقسم الملازمة إلى مدد متساوية لا تقل كل منها عن أربعة أشهر"، ثم في ذات الفقرة جاء ما نصه: "يحق للملازم الانتقال إلى محكمة يقل عدد قضاتها عن ثلاثة بعد مضي ما لا يقل عن أربع فترات من الملازمة". انتهى. من تلك التعبيرات لم يتضح مراد واضعي الخطة في هذه الجزئية، وهل الملازمة عندهم مدة أم مدد، وهل هي فترة أم فترات، ولو أنهم جعلوا أحد المصطلحين لكامل الملازمة والمصطلح الآخر لأجزائها لكان أقرب إلى الصياغة النظامية من هذه الهلهلة التي لا تليق بمقامات القضاء ورجاله ومؤسساته.

حادي عشر/ جاء في التعريف بالدورة التأهيلية من المرحلة الأولى من مراحل الملازمة أن مدتها عشرة أيام، وأن لها أحد عشر هدفاً، غير أن بعض تلك الأهداف تحتاج لأضعاف مدة هذه المرحلة؛ مثل الفقرة الخامسة؛ الخاصة بالتعريف بنظام المرافعات الشرعية ولائحته التنفيذية وشروحاته ومراجعه، وكذا الفقرة السادسة؛ الخاصة بنظام الإجراءات الجزائية.

ثاني عشر/ جاء من بين شركاء الإدارة في تنفيذ خطة الملازمة ما أسمته الخطة مكاتب متابعة الملازمين في المحاكم، وأن مقرات تلك المكاتب هي المحاكم التي يلازم فيها الملازمون، وفي المعهد العالي للقضاء، ولم تبين الخطة مرجع هذه المكاتب وموظفيها، وهل هم تابعون للمجلس، أم هم تابعون للوزارة أم المعهد؟ فإن كانت الأولى، فما مستند الخطة في زرع مكاتب تابعة للمجلس خارج نطاق إشرافه؟ وإن كانت الثانية فلعل في ذكر الشركاء الأصليين (وزارة العدل، المعهد العالي للقضاء) كفاية عن تشقيق الشركاء.