تعلمت أن رضا الناس غاية لا تدرك.. لكنني وطنت نفسي على أن اعتبر أن رضا الناس غاية لا تترك.. بمعنى أن تسعى لإرضاء من تظن أنه ممكن كسب وده ورضاه بالمصانعة والمسايسة.. والتحبب والتقرب.. وأن تسعى لإزالة اللبس وكشف الغموض، أو سوء الفهم لدى البعض ممن يميلون للتسرع أو خلق الانطباع السلبي عن المقالات، فينزلون فيها ما شاء لهم من المعلومات والانطباعات أو تصنيف الناس وتبويبهم كل في مسار.
تحدثت سابقا عن العنصرية، ودعوت إلى وضع تشريعات تجرم هذا السلوك، في حال تناميه أو استخدامه من جانب عنصري، لكنني ـ رغم ذلك ـ لم أسلم شخصيا من تهمة العنصرية أو لنقل المناطقية، فقد استشعر بعض الذين علقوا على الفكرة أنني منحاز، باعتبار أنني أثنيت على إخواننا من أهل الحجاز الذين وفدوا لهذه البلاد واستقروا فيها وعملوا بحب وإخلاص وكان لهم دورهم الرائد في التحديث.
بعضهم يعرفني جيدا، ولهذا أسرف في لوم نجديتي وقال إن الذين وصمتهم بالتوحش والعزلة والرهاب هم الذين استطاعوا أن يبنوا دولة موحدة هي المملكة العربية السعودية التي تتسم بالتنوع القبلي والاثني ومن حيث كونها وحدة غير مسبوقة في التاريخ باعتبار أن نجد كانت - غالبا - معزولة فكيف بربك وهي تقود رايات الوحدة..
كيف ننسى أن وحدة مناطق هذه الدولة قد صهرت خمس ثقافات تاريخية في دولة واحدة حديثة، على نسق فريد، بقيادة فارس طموح، كان هاجسه أبعد وأكبر وأعظم من المسموح.. حتى قيل ولو همسا إن عبدالعزيز بن عبدالرحمن الفيصل آل سعود هو موجد ومؤسس منظومة مجلس التعاون الخليجي.
وإنه أول من زرع نواة الوحدة العربية الحقيق التي أثمرت بالاقتداء وحدة مماثلة وقريبة في الجوار لبعض ما كان يسمى الجزر العربية المتصالحة في حينها والتي صارت من بعد دولة الإمارات العربية المتحدة.
ثم يمعن لائمي في تقريعي وهو لا يعلم أنني أعلم أن هؤلاء الفرسان مثل ملك العرب عبدالعزيز آل سعود والشيخ زايد آل نهيان عراب الوحدة الإماراتية هم قادة العرب الجديرون بالاحتذاء والمحاكاة، لكن الإعلام اليساري القومي الموجه جعل من بعض العسكر القافزين على كراسي الحكم والقيادة من أمثال عبدالناصر وغيره نماذج تقتدى، ولو أنصف هذا المد الإعلامي الرخيص الذي كذب على المتلقي العربي طوال أربعة عقود لجعل من فرسان الصحراء خير قدوة تحتذى.
لا بد أن تعاد صياغة ثقافة القدوة في العالم العربي ولا يجب السماح لأهل اليسار بتعظيم وتجسيم النموذج القومي العسكري.
بقي علي أن أقول:
إنني أحمل سعوديتي ووحدتي الوطنية، وأجعلها على رأس اهتماماتي بهذا الكيان الذي ولدت وقد تشكل على هذا النحو المغاير وغير المسبوق، وليس أنسب في هذا المقام من أن أختم بقصيدة حبيبنا المرحوم له بإذن الله غازي القصيبي (أجل نحن الحجاز ونحن نجد) والتي رد بها على صدام حسين إبان غزو العراق للكويت (1990) وهي من درر الشعر العربي التي تذكي روح الوحدة وتعبر بشكل صادق ومؤثر عن تلاحم هذا الكيان العظيم قيادة وشعبا شمالا وجنوبا وشرقا وغربا:
أجل نحن الحجاز ونحن نجد
هنا مجد لنا وهناك مجد
ونحن جزيرة العرب افتداها
ويفديها غطارفة وأُسْد
ونحن شمالنا كبر أشم
ونحن جنوبنا كبر أشدّ
ونحن عسير مطلبها عسير
ودون جبالها برق ورعد
ونحن الشاطئ الشرقي بحرٌ
وأصداف وأسياف وحشد