بمجرد قراءتي خبر صدور اللائحة الجديدة للأندية الأدبية التي صدرت في الأسبوع الماضي، تذكرت معالي وزير الإعلام الدكتور عبدالعزيز خوجة إبّان اجتماعه معنا، في معرض الكتاب الدولي لهذا العام (23 ربيع الأول1431هـ) وكان في مقدمة الاستفسارات التي وجّهت إليه، موضوع الأندية الأدبية والانتخابات، ووعد معاليه بأنه سيحسم هذا الأمر قريباً. وقد ظن كل من في الصالة بأن المسألة لا تعدو أن تكون وعداً، سيصطف بجانب الوعود التي يطلقها عدد من وزرائنا الكرام، غير أن معاليه فاجأ الوسط الثقافي -دون أية ضجة أو (بوربغاندا) إعلامية ترافق عادة أمثال هذه القرارات الكبيرة- بإصدار هذه اللائحة التي أعادت للمثقف حقه في اختيار من يمثله.

أتذكر أنني كتبت مقالة في هذه الزاوية، من وحي ذلك الحوار الأخوي الشفيف مع معاليه، بعنوان: (ديموقراطية التجار و"عار" المثقفين) وجّهت فيها رسالة لمعاليه قلت فيها: "هل وصل الحال بالمثقف في وطن الثقافة ألَا تثق الوزارة برؤيته ولا اختياره؛ فتقوم بأبويةٍ لا تليق بها، ولا بالمثقف الذي تصرح بالحرص عليه وعلى مكانته في المجتمع، وتقوم بتعيين رئيس ومجلس إدارة لهذه النوادي الأدبية على طول البلاد وعرضها، وفرضهم على شريحة المثقفين، في الوقت الذي يطالع هذا المثقف منسوبي الغرف التجارية في مدن المملكة وهم يتسابقون في أعراس انتخابية، تقام بكل شفافية وحرية، يصل فيها -غالباً- من يستأهل مركزه".

وبمثل ما نقدنا الوزارة في هذا الموضوع، أجد من الواجب الإشادة بهذه الخطوة التي خطتها. وبالتأكيد؛ أن هذا القرار التاريخي سيجيّر لمعاليه، وسيكتب في سجله بأحرف من نور، ولا يعنيني هنا ما يقوله بعض رؤساء الأندية الأدبية من أن اللائحة عمل عليها الدكتور عبدالعزيز السبيل منذ ثلاثة أعوام، وأن الدكتور السبيل هو فارسها الحقيقي، فهذا التجيير برأيي يجانبه الصواب، فلماذا لم يعلن هذه اللائحة ويكشف عنها قبل مغادرته منصبه؟ وعموما؛ التاريخ لا يحابي ولا ينحاز، والحقيقة المجرّدة أمامنا بأن فارس هذه اللائحة وبطلها هو معالي وزيرنا الدكتور خوجة الذي أخرجها للنور، وبادر مشكوراً وأطلق سراحها بكل شجاعة ووطنية.

العجيب أنني رصدت ردة فعل المثقفين حيال هذا القرار، فألفيته شاحباً وهزيلاً، مع أن اللائحة تضمنت فقرة الانتخاب، وهو من صميم ما تنادي به شريحة النخب الفكرية (الانتجلنسيا) ودعاة مؤسسات المجتمع المدني. قارنوا بالله عليكم تسابق كتبة الزوايا الصحفية والمثقفين في ملاحقة فتوى إرضاع الكبير أو فتوى الكلباني، بما هو أهمّ من هذين الموضوعين، وما يصب في أولى مطالب المثقف الحقيقي؛ ما يجعلك تصفق كفاً بكفّ، على حال المثقف، وتهمهم بهمهمات الكهنة بينك وبين نفسك، وأنت تقول: هل ترى نستحق أصلاً هذه الانتخابات؟!، وهل المثقف قادرٌ على إدارة دفة كراسي هذه الأندية؛ لأن نظرة متأملة لتلك القيادات التي رشحت سابقا لتقود الأندية، اختلفت – في فضائح إعلامية مدوّية - واضطرت للاستقالة..أوَ تذكرون ما حصل في أندية أبها والباحة والطائف والأحساء والرياض وبقية تلك النوادي التي لم يستطع المثقف فيها إدارة ناديه!!

من جانب آخر، وبعيداً عن الأندية الأدبية وقياداتها؛ حفاوتي بصدور هذه اللائحة كبيرة جداً، وتفاؤلي يمتد إلى أن تتوسع فكرة الانتخابات إلى رصيفات هذا المركز، كرؤساء الأمانات البلدية في المدن، وكذلك إلى مديري الجامعات، كي نصل أخيراً إلى انتخاب أعضاء مجلس الشورى، وتكون ثقافة الانتخابات قد تأصلت نوعاً ما في مجتمعنا.

وإن تطرقنا لهذا الموضوع؛ فلا يجوز بحال من الأحوال إغفال موقف لمثقف حرّ حقيقي، اتصل موقفه بهذه الانتخابات. فأتصور أن أحد المنتصرين الكبار هو مفكرنا الكبير الدكتور عبدالله الغذامي، الذي قام بمقاطعة هذه الأندية الأدبية؛ احتجاجاً منه على فرض طريقة التعيين، وهو ما اعتبره نكسة للوراء، وردّة من صانعيه عن أفكارهم التي كانوا يبشرون بها كمثقفين، والتزم مقاطعتها طيلة السنوات الأربع ، وبغض النظر عمّا يروّجه خصومه من أن موقفه هذا يستند إلى أبعاد ومواقف شخصية، إلا أن إعلامياً راصداً مثلي، مهتماً بالشأن العام، يرى أن موقف الغذامي القوي والحرّ بمقاطعة فعاليات الأندية الأدبية في عملية احتجاج مدنية راقية، قد حسبت له في تأريخنا الفكري ومشهدنا الثقافي، وأن هذه اللائحة الجديدة نصرٌ كبير لاسمه، يضاف لمسيرته الطويلة والصاخبة.

برأيي؛ أن الدكتور الغذامي عبر هذا الموقف، أعطى لكل النخب والمثقفين درساً ورسالة. يقول الدرسُ: إن هناك أدواراً للمثقف الحرّ يجب عليه أن يقوم بها، ومن الخيانة لمبادئه التنكر والإشاحة عنها.. وأما الرسالة فقد وشت بأن أصحاب القضايا الوطنية الكبرى يمكن لهم أن يحققوا مطالبهم بطرق مدنية متحضرة، ومتاحةٍ أمام الجميع، ولا يمكن لأحد مؤاخذتهم أو إجبارَهم على انتهاج طرق تخالف قناعاتهم الحقيقية، وأن هذه الطريقة ستؤدي إلى نيل مطالبهم بكل يسر وسهولة..تصوروا لو تآزر معه في موقفه الشجاع نصف المهرولين من المثقفين المعينين هؤلاء، لأعادت الوزارة النظر في طريقتها التي فرضتها.

ختاماً؛ شكراً معالي وزيرنا الدكتور عبد العزيز خوجة، وعدت فأوفيت.