ما إن يقترب موعد معرض للكتاب، حتى يجد العاشق للقراءة أنه على موعد جديد من تجديد طعم الحياة، وكما قال العقاد «أهوى القراءة لأن عندي حياة واحدة في هذه الدنيا، وحياة واحدة لا تكفيني»، وهو إحساس يراود كل من يقف أمام مكتبات الكتب التي أتت من كل بلاد العرب لتشارك بمعرض الكتاب، وهي تحمل «أصنافا وأشكالا» من وجبات الكتب والمؤلفات التي يشعر عاشق الكتب أنها ستروي عطشه، وتسعد نفسه، وتملأ فكره وهو يتفحص عناوينها، ويقلب صفحاتها ويداعب بأنامله أوراقها، ولهذا فمن الطبيعي أن تحفل وسائل الإعلام لدينا بالحديث عن مناسبة ثقافية كمعرض الرياض الدولي للكتاب، وهو مناسبة ثقافية سنوية جديرة بالاهتمام، وعلى ما أتذكر في الأعوام السابقة كان هناك برنامج تلفزيوني يقدم على الهواء مباشرة، ويبث عبر القناة الثقافية التي ودعت مشاهديها، وحلت محلها أحدث القنوات السعودية «sbc» إذ كان يقوم بإجراء تغطيات مباشرة ومستمرة من أروقة المعرض لجميع الأنشطة والفعاليات التي كان يشهدها، حيث إن معرض الكتاب بالرياض كشأن كل معارض الكتاب في عالمنا العربي مثل «الشارقة، القاهرة، الكويت، أبو ظبي» وغيرها لم تعد مجرد معارض سوق لبيع الكتب، فقد تحولت إلى تظاهرة ثقافية تشهد عددا من الأنشطة والفعاليات كالندوات، والمحاضرات واستعراض التجارب مع الكتاب والقراءة وغير ذلك.

ولذلك فزيارة معرض الكتاب من قبل المهتمين بالشأن الثقافي، ومن هواة القراءة والمطالعة، ومن طلبة العلم بصحبة أطفالهم، وأكرر بصحبة أطفالهم، أعده أمرا في غاية الأهمية، خاصة في ظل توافر أجنحة خاصة بالطفل تعرض من خلالها بعض ما يكتب له في أدبه وثقافته، وما يهمه في مجال القصص والألعاب وغيرها، وأنا عندما أشير إلى ضرورة اصطحاب الأطفال الصغار مع أسرهم إلى المعرض، لأننا اليوم بحاجة إلى غرس هواية القراءة والمطالعة عند أطفالنا، فقد افتقروا إليها أو يكادون ألا يعرفونها، خاصة في ظل محاصرة وسائل الإعلام الجديد لهم، وفي ظل إدمانهم على مجالسة الأجهزة الإلكترونية بالساعات التي قد تنقضي هدرا من أعمارهم دون تحقيق فائدة، فعن طريق القراءة وحدها، سوف نعمل على إيجاد جيل قادر على المناقشة والحوار وكسب المعرفة، بما يجعلهم أقوياء ضد أفكار التطرف والانحلال، ونبعدهم ولو قليلا عن المواقع والحسابات الوهمية والفارغة، وعن وسائل التواصل التي لقنتهم تفاهات، ودرسّتهم سخافات تفتقر إلى الفائدة، ممن يقال عنهم مشاهير الإعلام الجديد، إذْ قد لا يجدون في تلك الساعات المهدرة مع الأجهزة الإلكترونية أدنى فائدة، بل جل وقتهم الذي يقضونه من ساعات مع ألعاب إلكترونية خطيرة، وجدنا أن بعضها ذو أهداف خبيثة ملوثة، هدفها التأثير على عقيدتهم وقيمهم الأخلاقية، أو ما يجدونه من «سخافات» عند بعض المشاهير الذين أنعمنا عليهم بهذا اللقب فصدقوا، أخطر ما في الأمر أنها ستصبح جزءا من هويتهم وشخصياتهم وسلوكياتهم مع شديد الأسف.

لكن هناك سؤال يستوقفني هنا، وأنا أتحدث عن أهمية زيارة أطفالنا لمعارض الكتاب، وهي وقفة دائما أجدني عند عتبتها وأنا أتجول في الأجنحة المخصصة للطفل في المعرض، أننا إذا ما كنا نريد مواجهة ثورة التكنولوجيا التي أفقدت أطفالنا متعة قراءة الكتب وجعلتهم لا يعرفونها، ولم تحتل جزءا من اهتماماتهم، ماذا أعُد لهم من كتب وقصص تكون متناسبة مع أعمارهم وأفكارهم وميولهم وهواياتهم وتخاطب أحاسيسهم وتعكس لهم تراثهم وتاريخهم؟ وهل افتقدنا الكاتب المبدع الذي يكتب للأطفال عندنا؟.

أتساءل وأنا أستذكرُ القصص التي ربينا عليها وغرست فينا حب القراءة كسلسلة «الغابة الخضراء والقصص التي كانت تأتي إلينا من الإمارات كماجد وباسم وسعد من الكويت، وميكي وبطوط وسوبرمان من مصر والشبل من السعودية»، وغيرها مثل قصص الألغاز «المغامرون الخمسة» تختخ ورفاقه، فالطفل العربي اليوم وفق الإحصائيات يقال إن حظه من الإنتاج المعرفي 5000 كتاب، بينما الطفل في الغرب وتحديدا في أميركا ينتج له 25000 ألف كتاب.

حديث آخر يستوقفني كلما فتحت معارض الكتاب أبوابها وهي مشكلة «ارتفاع سعر الكتب» بما في ذلك أسعار الروايات، التي أحيانا يكون لها الحصة الأكبر من مبيعات الكتب لإقبال الشباب عليها، من منطلق وقوعهم تحت تأثيرات إعلانية أو دعائية، أو رغبة في الاقتناء والتقليد، وأنا مستغرب من أن ارتفاع سعر الكتاب كما قيل لي يكون بشكل مبالغ فيه عندنا فقط، بينما يقل سعره في معارض الكتاب العربية، ولذلك فأنا أفرح حينما أجد مكتبات الكتاب المستعمل تشارك في المعرض، أو إذا ما وجدت أن هناك عروضا تقدمها بعض دور النشر، لأنه حقيقة من الصعب أن يشتري الشخص كل ما يريد من الكتب وسط هذا الغلاء الذي ترجعه دور النشر إلى «غلاء أسعار الورق وارتفاع سعر المحابر وتكاليف الطباعة»، لكني أرى أن هناك مبالغة كبيرة بشكل قد يحد من عملية الإقبال على شراء الكتب المختارة عند كثيرين، وأنا واحد منهم.