لا يجهل أحد منّا أهمية وجبة الإفطار الصباحي وحاجة الجسم للطاقة، وما يلعبه الغذاء السليم من دور في تشكيل يوم كامل لنا ولأطفالنا. فلو تخيلنا بيئة مدرسية يتكاثر وينمو بداخلها طلاب وطالبات يقضون جل وقتهم في قضم قطع الشوكولاته بأنواعها، والمواد المعبأة والحافظة من مقرمشات وعصائر وحلويات تتنافس في نسب السكر وتتجاوز المعقول، ثم يعودون لإكمال يومهم الدراسي، وقتها يا ترى كيف سيكون استعدادهم وسلوكياتهم ونشاطهم بل كل ما يتصل بصحتهم العامة؟. متى تأذن الجهات المختصة والأقسام المشرفة على المقاصف المدرسية بتطبيق إستراتيجيات تخدم أجيالنا وتنبت فيهم الأنظمة الغذائية والعادات الصحية بخطط ودعم مدروسة، وفق معايير واضحة ورقابة مستمرة لا يسمح لأي مقصف مدرسي بتجاوزها أو الإخلال بشروطها. إن ما نلمسه من واقع يرثي نفسه قبل أن نرثيه نحن، يفصح عن تفشي عدد من الأمراض بين طلابنا وطالباتنا الصغار قبل الكبار، أمراض هي ظواهر تشكل خطرا على نشء بأكمله، إن لم نتدارك الأمر ونصحو، نسب السكر والضغط تتزايد بين أطفالنا ولا يقل عنهم ضحايا القلب والشرايين والسمنة، ناهيك عن فرط النشاط وإصابة كثيرين بالتشتت الذهني و…. ما الله به عليم، هي مخالب تُغرس في أجساد أبنائنا، أمراض لم تكن تسجل أرقاما كهذه في عهدٍ ليس بالبعيد منه الآن، في ظل ظروف عصر تزاحمت مستجداته، وتطورت إمكانياته وتوفرت خدماته. يبقى اللوم متأرجحا ومحتارا على من يقع بالتحديد؟ إنه ثالوث لا بد من اكتمال أضلاعه فكل منها يساند الآخر، ابتداءً بأقسام إدارة المقاصف، وإشرافها أسبوعيا على كل ما تحتضنه تلك المدارس من مبيعات ووجبات تضمن للطلاب - بعد قضاء نصف يومهم الدراسي- غذاء صحيا. فليس الهدف فقط ما يسد جوعهم، ليغدوا خماصا ويعودوا خماصا أيضا! فنحن اليوم نتلمس التطوير في شتى المجالات ونسعى جاهدين لتحقيق أعلى مقاييس الجودة، وبناء على ذلك فغرس العادات الصحية وبث ثقافة الوعي الصحي وتحقيق نتائجها باتت مطلبا، بل إنه من باب أولى وجود مختص تغذية ومثقف صحي في كل مقصف يشرف عن قرب ويساهم في تلافي كثير من الأخطاء وتصحيحها. يأتي ثانيا دور الإدارة المدرسية المسؤولة عن الإشراف اليومي وتوفير وجبات صحية متكاملة، وذلك لم يعد بالمستحيل، حيث يمكن لأي إدارة أن تتعاقد مع شركات معروفة ومطاعم أو حتى أسر منتجة باتفاقيات معينة، والفرص اليوم في المتناول كثيرة، كتفعيل دور التقنية واستخدام بعض التطبيقات في مسألة توفير الوجبات بالوقت المناسب وبأسعار معقولة، وبالتالي كان لا بد من استحداث طرق لحفظ الأطعمة في مستوى حرارة ورطوبة مناسب، وعدم إهمال جانب الصيانة المقصفية كثلاجات وسخانات ومخازن تساعد على إبقاء صلاحية الأطعمة في بيئة صحية آمنة، وبما أن المدرسة تحرص على رفع ميزانيتها بما يحقق الفائدة والنفع لها، من خلال التركيز على العوائد والاستثمار المدرسي، فقد تقوم أحيانا بفرض أسعار مبالغ فيها، وذلك من الخطأ وضعه، فلا بد من مراعاة الجانب الإنساني لدى البعض والعمل على تحديد الأسعار بإطار وزوايا منطقية ومرضية للجميع. أما الطرف الثالث والأهم فهو ولي الأمر، حيث إن المسؤولية الكبرى تقع على عاتقه في وضع اللبنة الأولى عند طفله منذ التحاقه بقافلة التعليم واحتياجه الدائم للتوجيه والإرشاد ليصعد بخطى ثابتة وسليمة، فالحرص من الأهالي واجب أساسي كتعويد الأبناء قراءة تاريخ الإنتاج وانتهاء الصلاحية قبل الأكل، واستبدال الأطعمة الجاهزة والمصنعة التي تشكل عبئا على حياتهم، بتحضير وجبات منزلية منوعة من البروتينات والفيتامينات والألياف والسكريات الأحادية النافعة والهامة للجسم وعمل الدماغ، كما أنه من المهم جدا تغيير قناعاتهم الغذائية وبيان ما تلحقهم به تلك الأطعمة الجاهزة والوجبات السريعة من ضرر، وبذلك نكون قد ساهمنا جميعا في إنتاجية فرد بمستوى عالٍ في الرقابة الذاتية والثقافة الغذائية، مما يكفل له حماية جيدة، فليكن هدفنا جاهدين صناعة جيل بطاقة أكبر وأداء أفضل ونفسيات ومزاجيات معتدلة قادرة، وبناء أجساد قوية مفعمة بالصحة والحيوية.