أنا على يقين مائة في المائة أن الذي خرج مغردا وقال «من يرى في نفسه رجولة كاملة..» أنه كان نتاجا طبيعيا لذلك الإعلامي الذي قال في برنامجه «اللي فيكم رجال..».

السؤال: أين نحن؟.

ولذلك كم نتأسف كثيرا حينما يسمع الصغار تعليقات الكبار، وفشلهم في تأسيس لغة مناسبة للحوار، سواء مع من نحن نحب أو نكره، خاصة حين تكون بعض التعليقات فيها من الحدة والشدة ما يخرجها عن أدب الكلام من إعلامي أو إعلامية، ويصاحبها من الألفاظ ما لا يليق، فإذا كانت هذه لغة إعلاميين؟ فماذا - بربكم - نرجو من عامة الناس والبسطاء في وسائل التواصل الاجتماعي وهم يتحاورون أو يتناقشون مع بعضهم بعضا؟، وإن كنت أرى أن بعض البسطاء العامة يتأدب في عباراته وحواراته، وقليل منهم من يخرج عن نسق الأدب في النقاش، بل وجدت من العامة من يظهر الاحترام للمختلف معه، بينما وجدت من يدعي نسبا للإعلام حينما تدخل أحد حساباته فلن تشاهد فيه سوى عبارات التهكم والسخرية والتهديد والاستفزاز والعبارات التي هي أبعد ما تكون عن اللغة الرصينة للإعلامي والإعلامية، وعندما تدخل مع أحدهم في نقاش بسيط فورا تجده وهو يلجأ إلى «البلوك» في تعبير عن عجزه في الحوار الجاد.


حقيقة لقد وصلنا إلى منعطف خطير في لغة الحوار بيننا تشهدها وسائل التواصل الاجتماعي جعلت بعضنا يعزف عن الدخول إليها.

وغير بعيد من هذا وذاك، فقد خرج علينا أحدهم مغردا بتغريدة «يعترض» فيها وبطريقة مستفزة على مقترح «إسقاط الديون عن العسكريين» في الحد الجنوبي! زاعما أنه لا يجب تمييزهم عن بقية موظفي الدولة!، وهؤلاء الذين حملوا أرواحهم على أكفهم دفاعا عن الوطن والمواطن، بماذا يمكن لنا تمييزهم إذن، إذا لم تكن مهمتهم تلك تميزهم بالفعل؟. مثل هذا كان ينبغي أن يحجز له على أول رحلة باتجاه الحد الجنوبي ليقيم يوما بين جنودنا الأبطال، ليرى بأم عينيه التضحيات والبطولات من أجل الدفاع عن حدود الوطن، وتأمين حياة المواطن ليأمن على نفسه وعياله، بمن فيهم الأخ المعترض على المقترح، الذي هو أقل ما يمكن أن يُقدم كهدية لجنودنا البواسل، وأنا لا أريد الاتجاه نحو التشكيك في وطنيته أو غيره، فليس من طبعي هذا التوجه عند مواجهة الآخرين ومناقشتهم في قضايا قد تستفز قلمي للرد عليهم والدخول معهم في نقاش، من أجل القيم الدينية والوطنية والأخلاقية التي هي بالنسبة لي خط أحمر، غير أني أقول لهذا الإعلامي الكاتب، ولكل من يعتلي منصة الإعلام، أو يدير حسابا في وسائل التواصل الاجتماعي «قل خيرا أو اصمت» فاستفزاز المجتمع أسلوب لن يخدم سلمنا الاجتماعي.

حقيقة، إن تدني لغة الحوار التي نلاحظها في وسائل الإعلام، وبخاصة في وسائل الإعلام الجديد، إذا لم نتداركها، فقد تمثل مشكلة على أبناء المجتمع مستقبلا، حين تصبح لغة سائدة بينهم، وتتحول إلى ثقافة لحواراتهم، وقد تؤدي إلى خلق حالة من التشظي بينهم، وإلى توسيع رقعة الخلافات، وستفتت جهود تعزيز تلاحم أبناء الوطن ووقوفهم في صف واحد في وجه كل من يناصب بلادنا العداء.

وكما نحن ننتقد لغة الخطاب المتشنج عند بعض الدعاة والوعاظ، وذلكم الصراخ والعويل الذي قد يصاحب بعض دروسهم الدينية التي نشاهدها عبر مقاطع الفيديو، وهي عادة ما تكون منفّرة لمن يشاهدها، خاصة الصغار، ولن تلقى لديهم القبول، بقدر ما قد ينفرون عن مشاهدتها، رغم أن بعضها يحمل النفع والفائدة، إلا أنه يفسدها أسلوب الصراخ للواعظ، فنحن أيضا نقول لبعض الإعلاميين والإعلاميات إن لغة الصراخ ورفع الصوت وأساليب الاستفزاز واستعمال العبارات الجافة، ولغة التضخيم والتهويل، ليست مناسبة لمن يخاطب الناس من فوق منصة إعلامية.

نعم، قد تكون المشاعر عند المتحدث أو الكاتب أو المغرد أحيانا ساخطة أو غاضبة أو حاقدة، أو تنطلق من مواقف شخصية، فيأتي بما قد يندم عليه من عبارات وكتابات وتغريدات، حينما يقرأها أو يسمعها فيما بعد، وسيتساءل كيف قلت هذا؟ وكيف كتبت ما كتبت؟ لكن مهما كانت تلك المشاعر، فلا تصلح أن تكون تبريرا البتة، وسنظل نواجه كل من يتخطى هذه الخطوط الحمراء، وستبقى كتاباته وتغريداته مهما حاول طمسها، لأن هناك من سيوثقها من المغردين الوطنيين، فحب الوطن مسكون في قلوبهم التي تعشق الحياة والموت من أجله.