تملكتني الدهشة والعجب والإعجاب وأنا أقرأ عن هذا المؤتمر الإبداعي (الاستعراب الآسيوي الأول)، والذي يرعاه مركز البحوث والتواصل المعرفي بالرياض، المتقدم بكل مقاييس الإبداع والإنجاز والمضاء الحضاري.

ولا أدري من أين أبدأ: أمن فكرته الجميلة الخلاقة -التي تداعب حلما قد اعتلج في دواخلنا، وشوقا عرمرما لإعزاز لغتنا وخدمتها بطريقة إبداعية حداثية، تعيد لها الروح ولنا قوة الاعتزاز والحضور الأممي..

أم من محاوره الرائعة؟

أم من تنوع لون الطيف في ضيوفه الكرام الذين مثلوا امتدادنا اللغوي والمعرفي في أكثر من 15 دولة آسيوية منها الصين واليابان..

في ظني أن ما فعله هذا المركز المبدع لم تستطع جامعاتنا ومعاهدنا بعجرها وبجرها وميزانياتها وأكاديمييها أن تفكر بمثله مع قدرتهم على ذلك،

فقد فقدنا الأمل بوجود مبدعين في أغلب محاضننا العلمية وللأسف..

لقد خيمت علينا بيروقراطية مخيفة، زرعت فينا التواكل وأصبحت حجة دسمة لكل البطالين الذين لا يهمهم رقي وطنهم وسيادة لغته.

إننا نملك سلاحا ذا مضاء كبير.. وفعالية بالغة.. وقوة ذات جذب روحي غلاب.. إنه لغة القرآن التي تفتح ذراعيها، لها أكثر من مليار إنسان في أرجاء هذا الكون الفسيح، ينتظرون منا التفاتة عليهم، ويتحينون منا قدوما إليهم وتواصلا معهم، وتطويرا لقدراتهم اللغوية.

لقد جمع هذا الخبر من الإبداع والجمال فأوعى، فأبعاده ليست لغوية فحسب وإنما هو أداة قوية وراسخة من أدوات القوة الناعمة التي لا يجب أن نتخلى عنها بحال من الأحوال، فلقد كان البريطانيون يوفدون أبناءهم في العالم لأداء الخدمة العسكرية الإجبارية عن طريق تعليم اللغة الإنجليزية لسكان بلدان العالم الثالث.. ولا يخفى استخدام الدولة الصفوية الإيرانية لامتداداتها الفكرية وجعلها سلاحا لتقويض استقرار الدول العربية، وكذلك كان الشيوعيون عبر إيديولوجيتهم العابرة للقارات يؤثرون ويجندون، والعثمانيون الجدد اتخذوا جماعات الإسلام السياسي مطية لأحلامهم وأداة لتنفيذ أجندتهم في اختراق أوطاننا.

لن تعقم رحم وطننا الولاد من أن تلد أشخاصا بهذه الهمة والإبداع؛ يشغلهم هم لغتهم الأم، ويؤرق مضاجعهم ألا يكون لوطننا دور خلاق وفعال في هذا الجانب.

وهم بهذا التميز يضربون مثلا رشيدا لكل البلدان الناطقة بالعربية، ويوجهون رسالة واضحة المعالم تقول «إذا تخليتم عن دوركم وأنتم أهل مجامع اللغة العربية وحماة عرينها لسنين طويلة، فإننا كسعوديين لن تتوقف نخوتنا وشهامتنا عند دفع المال حال عوزكم، وعن القتال برجالنا حال احتلال بلدانكم، وعن استخدام أدواتنا السياسية وإمكاناتنا التخطيطية حال استلاب أوطانكم من قبل أرباب الفوضى الخلاقة وذيولها، حتى نعيدها إليكم،

وعن تبني قضاياكم في المحافل الأممية..نحن أهلٌ لاستلام الراية وبجدارة البواسل».

سلمان يحكمنا، ومحمد يلهمنا وقبل كل ذلك الله يرعانا ويكلؤنا، لكم تمنيت أن أكون أحد الحاضرين لهذا العرس الحضاري الأنيس لأعل من منهل نبعه العذب، ولأشعر عن قرب بالفخر والاعتزاز بأبناء وطني وأقدم لهم الشكر والثناء الجميل على حسن صنيعهم، الذي أدخل السرور على قلب كل وطني فخور بلغته ومنجزاته.