يحكى في الأساطير الشعبية الصينية أن رجلا سمع صوتا خافتا ينادي عليه في طريق عودته للمنزل. التفت الرجل باحثا عن مصدره وإذا بها سمكة ملقاة في مجرى نهر جاف تصارع الموت، اقترب منها وسألها إن كانت هي مصدر هذا الصوت وهل هي بحاجة لمساعدته. ردت عليه وهي تغرغر بأن ينقذها بسرعة ببعض من الماء خاصة وأنها ليست سمكة عادية، إنما هي تمثل سُلطة التنين في شرق البحر. انتفض الرجل ورد عليها مسرعا بأنه سيقوم حالا بزيارة جنوب البلدة ليطلب من الوالي بأن يأمر بتوجيه مجرى النهر بحيث يصل الماء لهذه المنطقة الجافة لتتمكن من السباحة والعودة إلى البحر الشرقي. ردت عليه السمكة غاضبة: "وهل يمكن للسمك أن يعيش طوال هذه المدة بدون ماء؟! كل ما أحتاجه هو القليل من الماء! تصرفك غير مجد وستراني المرة القادمة في سوق السمك ميتة".

هذه القصة تحمل مغزى بأن ما نستخدمه عادة من حلول كتكوين لجان تحقيق وتقصٍ قد لا تجدي في بعض المشاكل والأمور، ولا بد من إعادة النظر بها خاصة متى ما كانت المشكلة حرجة وبحاجة لحل سريع وفعال. هذه الحلول السريعة والفعالة تعطي الوقت الكافي لمثيلاتها الروتينية لتأخذ مسارها بإيجابية وبرضا من كل الأطراف.

سماع الصوت والشكوى ما عاد يجدي ولا يفيد في ظل البيروقراطية المؤسساتية الحالية، فلو أنه ذو فاعلية لما وصلنا لمرحلة مطالبات في عدة جامعات تطالب بحقوق بديهية لأي مؤسسة تعليمية محترمة وذات سمعة. حان وقت الإنصات لاستيعاب ما تحمله هذه الأصوات ووضع الحلول على أساس هذا الاستيعاب. حان وقت الإنصات لهم وإخماد الأصوات الأخرى التي ما فتئت تكمم أفواه هؤلاء الطلبة والطالبات عبر مسؤولين ومسؤولات ركنوا جيدا لضعف الرقابة وليقينهم بأن هذه الأصوات لا صوت لها إلا عن طريق قنواتهم الصماء. حان وقت إزالة تشويش المسؤولين وجوقاتهم المزعج في خلفية أصوات الطالبات والطلبة والذي حمَّل هذه الأصوات ما لا تحتمل بتشكيك في وطنيتهم وانتمائهم. حان وقت إخراسها فهي فشلت في أداء مهماتها وأمانتها وثقة الدولة بها في النهضة بمؤسسات التعليم العالي. آن لها أن تصمت وأن تنصت.

نحن بحاجة لصمام أمان يكفل لنا حسن الإنصات، صمام أمان يقطع دابر المزايدين على وطنية الطالبات والطلبة ويسد الثغرات التي قد يستغلها المتسلقون والحركيون. صمام الأمان يضمن لأصوات الطالبات والطلبة أن تصل بوضوح ونقاء، يضمن لها أن تعلو فوق أصوات الجعجعة القديمة وبلا طحن يذكر. نحن بحاجة لإقرار تنظيم النقابات الطلابية الذي يتبع لمشروع نظام الجمعيات والمؤسسات الأهلية العالق في الأدراج منذ 2007، نحن بحاجة له الآن كاحتياج السمكة لقليل من الماء وليتم تغيير مجرى النهر فيما بعد.

النقابات الطلابية ستكون عين الرقيب لصناع القرار عندما تخذلهم أعين المسؤولين وتحرجهم أمام المواطنين. هذا التأطير مهم وقناة تواصل حيوية وحساسة نحن في أمس الحاجة لها الآن لضمان جودة خدمات التعليم العالي وحفظ المال العام وتعزيز المواطنة وتحصين هذه الفئة من المزايدين والحركيين. هذه النقابات والتي إن تم إقرارها كمعبر مهم لأصوات الطالبات والطلبة إلا أنها ستحمل في طياتها أيضا العديد من النشاطات الاجتماعية والثقافية والرياضية التي ستساهم في الرقي بالمؤسسات التعليمية لينعكس بدوره على المجتمع وأفراده كافة.

ثقافة الحوار والمطالب والحقوق لا يمكن سد الاحتياج الحالي لها من خلال ندوات من حين لآخر، وإنما لا بد من زرعها منذ نعومة الأظفار في التعليم العام بمناهج وصقلها في التعليم العالي بممارسات قانونية تنظيمية نقابية. ألم يحن وقت الإنصات حتى لا يباع أبناؤنا وبناتنا كسمكة البحر الشرقي ميتة في سوق السمك؟