وأكدت تلك الخطوة بوضوح أن مهد العروبة وأرضها تسير في طريق استعادة الشرعية التي اغتصبتها جماعة الحوثيين الانقلابية المدعومة من إيران، وأن اليمن قادر بسواعد أبنائه على وضع حد للانقلاب المشؤوم الذي ظل نقطة سوداء في تاريخ البلاد، وأنه بمثل ما تتواصل الانتصارات العسكرية في كل الميادين وجبهات القتال، فإن الانتصارات السياسية تتواصل أيضا، حتى يتم تحقيق الهدف الأكبر الذي تهفو إليه قلوب كل اليمنيين، وهو اجتثاث تلك الجماعة المتمردة، والقضاء على المشروع الإيراني الذي يريد لليمن -بكل تاريخه وعراقته وأصالته- أن يبقى مجرد أداة يستخدمها لتحقيق أهدافه التي تقوم أساسا على افتعال المشكلات الطائفية في المنطقة، وأن يستخدم مهد العروبة وبلاد الحكمة كخنجر في خاصرة الدول العربية.
وإدراكا من الحوثيين بأهمية الدور الذي يمكن أن يلعبه مجلس النواب، باعتباره بيت الشعب والمتحدث الرسمي باسم كل أطيافه، فقد بادروا إلى تعطيله والتنكيل بأعضائه وتشريدهم، وعدم السماح بالتئامهم واجتماعهم، وهو تصرف طبيعي ينسجم مع شخصيتهم الانقلابية التي تتنافى مع المهام التي تقوم بها المجالس النيابية، وقد سعى النواب في كثير من الأوقات إلى عقد دورة للمجلس، إلا أن تلك الجهود اصطدمت بتعنت الانقلابيين، الذين سعوا إلى تزوير إرادة الشعب، وحاولوا جمع بعض النواب الذين ارتضوا التماهي مع التمرد، وكذلك الذين استجابوا للغة التهديد والوعيد لعقد جلسة للمجلس، إلا أن تلك الخطوة منيت بفشل ذريع، وأصبحت مثارا للتندر والسخرية.
وبعد تلك المهزلة لم يجد الحوثيون الجرأة على تكرارها، وتمترسوا بتعنتهم الذي يؤكد حقيقة المشروع المدمر الذي يحملونه، بعد أن رهنوا أنفسهم للخارج وارتضوا أن يتحولوا إلى معول هدم وتدمير، بدل أن يكونوا أدوات تشييد وبناء، وسخّروا كل عناصرهم ومقدرات الدولة لخدمة الأجندة الإيرانية التي لا تريد الخير لبلادهم ولا التقدم لشعبهم.
وقد حفلت جلسة المجلس بعدد من الجوانب الإيجابية، وشهدت تحقيق مكاسب عدة، في مقدمتها ذلك الإقبال الحاشد من النواب على تلبية الدعوة، فقد فاق العدد النصاب، رغم الظروف الأمنية التي تمر بها البلاد، وهو ما يؤكد عزيمة الشعب اليمني على استعادة دولته، وإنهاء مشروع الميليشيات الحوثية المدعومة من إيران.
كما أن عقد الجلسة أعلن بوضوح اكتمال منظومة العمل لدى مؤسسات الدولة الشرعية، وذلك بعودة السلطة التشريعية إلى ممارسة عملها، وقيامها بدورها الرقابي على مؤسسات الدولة في عدن، سعيا وراء تجويد الأداء، وتحسين الخدمات المقدمة للمواطنين، وتنظيم الجهود الرامية إلى استئصال التمرد، ومخاطبة منظمات المجتمع المدني والمؤسسات الدولية، ومطالبتها بممارسة قدر أكبر من الضغوط على جحافل التمرد، إذ إن مخاطبة الهيئات التشريعية لتلك المنظمات حتما ستجد آذانا صاغية، لأن النظام العالمي الحديث يميل إلى التعامل مع الكيانات التي تمثل الشعوب والمجتمعات، وبذلك تكون قدرته على التواصل معها بوتيرة أسرع.
كذلك، فإن من المكاسب التي نجمت عن عقد الجلسة، إعلانَ التحالف السياسي بين جميع الأحزاب اليمنية، وتوافق عدد من تلك المكونات على العمل يدا واحدة لاستعادة المناطق والمدن والمحافظات، التي ما زالت ترزح تحت سطوة الميليشيات.
أما الخطوة التي كانت لافتة بحق، فهي دعوة الرئيس اليمني عبدربه منصور هادي، ورئيس المجلس، سلطان البركاني، الحوثيين إلى السلام والعمل، مع التأكيد الواضح والقاطع على رفض المشروع الإيراني ومواجهته، وهو ما أعطى قوة وزخما يشيران إلى الجدية والرغبة الصادقة في استعادة الدولة وإعطاء الفرصة للعملية السياسية، رغم توافر القوة وقدرة الجيش الوطني والمقاومة الشعبية على وضع حد للانقلاب.
كذلك كانت عملية اختيار رئيس المجلس ونوابه الثلاثة في غاية السلاسة، وجسدت التوافق في أسمى صوره، إذ مثّلوا كل مكونات الشعب اليمني الرئيسة، وتعاهدوا على بذل الغالي والنفيس لخدمة الشعب الكريم.
ومما لفت الانتباه خلال الجلسة، حرص ممثلي الشعب اليمني على إزجاء الشكر إلى خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، على وقفته القوية خلف مصلحة الشعب اليمن، وإصراره على إفشال المخطط الإيراني، وقراره التاريخي بتكوين التحالف العربي الذي حفظ عروبة اليمن، وأعاد إلى الأمة العربية كرامتها، وحمى مصالح الشعب، وهذا موقف أصيل ينطلق من إدراك قادة المملكة أن ما يتأثر به اليمن سلبا أو إيجابا ينعكس على السعودية، انطلاقا من الروابط القوية التي تجمع بين الشعبين الشقيقين.
كما أشادوا بجهود البرلمان العربي الذي لم يدخر جهدا في دعم سيادة وأمن واستقرار اليمن ووحدة أراضيه، لذلك اهتمت قيادته بدعم تمثيل مجلس النواب الشرعي في الاتحادات البرلمانية الإقليمية والدولية، إضافة إلى قرارات البرلمان العربي الصادرة عن جلساته وبياناته المتوالية، وكلها تندد بالانقلاب الحوثي، وتدعو إلى عودة الشرعية، واستمر ذلك الدعم في حضور رئيس البرلمان العربي لجلسة المجلس في سيئون.
الآن حصحص الحق، وأكملت الدولة اليمنية منظومتها الشرعية، لذلك يتوجب على المجتمع الدولي أن يلتقط القفاز، وأن تكف بعض مؤسساته ومنظماته عن لعب أدوارها المشبوهة، وأن تنحاز بوضوح إلى عملية السلام في اليمن، وأن تعلن وقوفها بوضوح خلف الحكومة التي يعترف بها العالم أجمع، وأن تبدي تمسكا واضحا بالمرجعيات الثلاث المعتمدة، وهي: المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية، ومخرجات مؤتمر الحوار الوطني الشامل، والقرار الأممي رقم 2216، وأن ترغم الانقلابيين على التنفيذ الفوري لما اتُّفق عليه في مؤتمر ستوكهولم قبل 4 أشهر، ولم يتم تنفيذ أي من بنوده، بسبب التعنت الحوثي المتواصل، وسياسة المهادنة واللين التي تتبعها الأمم المتحدة ومبعوثها الدولي مارتن جريفيث. فمثل هذه الجماعات المارقة لا تستجيب إلا للضغوط الدولية، ولا تتجاوب إلا مع لغة القوة، لأن مستقبل الشعب المغلوب على أمره لا يهمها، والمصالح العليا للدولة ليست على أجندتها، والتصدي للمخاطر المحدقة بالبلاد هي آخر ما تفكر فيه.