يا صغيري، لو تعلم ما نقشته على الصخر من كلمات، وكسرت بها صم الجبال من صرخات، ليسمع من به صمم أنك فلذة كبدي، الذي كافحت وناضلت لأجله، حتى أرى هذا اليوم الذي أراك فيه خريجا في المرحلة الابتدائية، وأنت تعلم أني لم أترك صغيرة ولا كبيرة، شاردة من صغائر التفاصيل أو واردة من كبائرها، إلا وعلمتك إياها، لتخرج لهذا العالم المتلاطم الأمواج وأنت قادر على مجابهته، العلم نور والجهل ظلام، وخير العلم ما تقوم بتطبيقه على أرض الواقع، وكل هذا وأكثر ستجنيه ما دمت تعمل بما تعلم.

الحوار أعلاه بين أب وابنه عند باب إحدى المدارس التي تكدس عليها الآباء (والسواقون) الذين تعلموا من كفلائهم، كيف أن الأولوية لمن يقف أمام باب المدرسة مباشرة ولو كان سببا في إهلاك مستخدمي الطريق، حتى لا يعود ابن الإمبراطور إلى البيت وقد خطا خطوتين تسببتا في احمرار خديه اللذين لا تلامسهما الشمس، وإن أحرقت هذه الشمس السائق الذي هو بعمر (أبو أبوه) فلا بأس.

ورد الابن على أبيه قائلا إن ما يراه خارج مدرسته من تصرفات والده وبقية المنتظرين مخالف لما تعلمه داخلها من إعطاء الطريق حقه، والالتزام بالنظام والطابور وغيره، وقاطعه الابن: (حنا متعودين على كذا يا ولدي وما فيه أمل يصلح وضعنا، وهناك الكثير من الأخطاء يعني ما وقفت على هذي بس)، وكأنه وجب أن نصلح أخطاءنا بناء على ترتيبها الأبجدي مثلا، أو أن علينا أن نصلح الوزارات والمنشآت والأماكن والخدمات العامة قبل أن نصلح من هم تحت أيدينا (رغم أنهم الرعية ونحن الرعاة).

الخلاصة: لمن يعتقد أننا قوم خلقنا وقد كتب على جباهنا أننا لن نخضع لتعليم أو قانون يجعلنا نحترم (الأخلاقيات العامة) فعليه يعلم أنه في بريطانيا قبل قرابة الـ60 عاما ولأن العشوائية والجهل والبقاء للأقوى كانت هناك، تم تطبيق قانون يجبرك على دفع 100 جنيه إسترليني إذا لم تحترم الطابور، حتى ولو كان طابور(بسطة فصفص) مثلا، وهذا المبلغ آنذاك يتعدى مرتب بعض الموظفين الشهري في بريطانيا، وبعد أن طبق هذا القانون بصرامة على ابن البطة البيضاء قبل ابن الخيل الأشقر، وفي الفترة الماضية أزالت الحكومة هذا الفقرة من القانون، لعدم الحاجة للتذكير بها، لأن ما فرض بقوة النظام جاء يوم وبات ثقافة، ثم تصبح الثقافة عادة، مثل من بدأ عندنا حاليا بتطبيق ثقافة احترام إشارة المرور التي ليس عندها كاميرات (ساهر)، بعد أن كان عيبا على البعض أن يوقف أمام(لمبة حمراء) وابن عمك خفير عند بوابة مركز المرور.

لذا، وبالنيابة عن والدك يا صغيري إن لم يتم تطبيق نظام المحافظة على الذوق العام بكل تفاصيله، وبنفس الاهتمام الذي صاحب عدة قوانين قبله، وبدأت الجهات ذات الصلة بغرسه في نفسك منذ الصغر، ورأيت والدك يعمل بالأخلاقيات والآداب العامة ولا يعلمها فقط، وإلا فـ (لا تنشغل بها خارج مدرستك يا صغيري).