لا أعرف البابا شنودة كرجل دين إطلاقا، أعرفه كوطني مصري عربي رفض كامب ديفيد، وعوقب على رفضه هذا نفيا في دير وادي النطرون، بعيدا عن رعيته التي كانت مصر بمسلميها قبل مسيحييها.

هذا كان من الماضي عندما كان الرافض لاتفاق الإذعان الذي فرضته الولايات المتحدة وإسرائيل على مصر، يكلف المرء حياته.

يومها، رفضه البابا شنودة، ولم يكتف بذلك، بل حرم على أبناء رعيته زيارة القدس المحتلة، والأماكن المسيحية المقدسة في فلسطين، طالما هي تحت الاحتلال الإسرائيلي.

إنه ليس بطريك الأقباط في العالم فقط، إنه بطريك فلسطين أيضا بما تحمله قضيتها في وجدانه كمسيحي عربي، لأنها تحتضن المسجد الأقصى إلى جانب كنيسة المهد.

كان مصريا حتى النخاع، لم يفرق بين المصريين على أساس مذهبي طائفي، فرفض أي إغراء على هذه الأسس، وأراد من المسؤولين خلال ثورة 25 يناير ومن قبلها عدم التفريق في المواطنة، على أساس طائفي، واختار الوقوف إلى جانب الشعب كل الشعب، فنال احترام وتقدير الجميع.

الخسارة بفقدان البابا شنودة ليست، قبطية أو مصرية فقط، إنها خسارة لكل العرب المؤمنين بحرية الفرد والمجتمع، وبالديموقراطية، وبالتحرر من ديكتاتوريات العصر، وبتحرير أرض فلسطين من المحتل الغاصب.

بالأمس ودعت مصر البابا شنودة إلى دير وادي النطرون، بأمل أن من سيخلفه سيبقى محافظا على مبادئه العربية والوطنية.