لا شك أن منّا من تورط مبكرا في مسار لا يناسب قدراته ومواهبه إما طوعا أو كرها؛ ويمكن برأيي تفادي كثير من الإخفاقات والتسرب أو التعثر عبر الإرشاد المهني المبكر المبني على الأسس العلمية ونتائج الطلاب.
يعد الإرشاد المهني ركيزة أساسية في التجارب المدرسية العالمية.. يتواجد في أغلب المدارس البريطانية مرشد مهني واحد على الأقل لمساعدة الطلاب عبر اختبارات مقننة وعدة مقابلات مهنية، يتم على إثرها إرشاد الطالب للوظائف التي تناسبه وللمقررات التي يحتاج لدراستها، أما المدارس التي لا يوجد فيها مرشد مهني دائم فتستضيف مرشدين عدة مرات خلال العام، لئلا يتخبط الطلاب في اختياراتهم الدراسية.
يتطرق الطالب مع المرشد لاحتمالات مهنية عدة تُخرجه من دائرة الخوف والغموض لدائرة الثقة بقدراته، فيحضر حصصا تجريبية في المقررات التي اختارها قبل التسجيل النهائي فيها.
ولا يتوقف الاختيار على المسار العام، بل يختار كذلك مقررات إضافية تمكنه من دمج العلوم التي يظهر تميزه فيها - من خلال أدائه - بأفضل طريقة لخلق تخصصات جديدة كأن يدرس البرمجة وعلم النفس الرياضي لتصميم تطبيقات خاصة بالرياضيين وذويهم.
ومن الطلاب من يتم توجيهه لمسارات مهنية دون الجامعية تمهيدا لدخوله في سوق العمل للاستفادة من قدراته، فلا يفترض بالجامعات أن تستوعب الجميع ولا تحتاج كل المهن للتأهيل الجامعي، وهذا من حسن إدارة القدرات والجهود في تعليم وإعداد الأيدي العاملة.
إن تآزر الموهبة والشغف مع الإعداد الجيد يقود الإنسان للتميز، ولهذا أقترح على وزارة التعليم أن تبني برنامجا قويا للإرشاد المهني (12 - 15 عاما) لاكتشاف قدرات طلابنا وللعمل على مكامن قوتهم العلمية بعيدا عن دورات (اكتشف ذاتك) المرهقة لهم ولأسرهم ماديا ونفسيا.
تعليمنا يسابق نفسه ليؤكد جاهزيتنا للمستقبل، ويتجلى هذا في المبادرات النوعية خصوصا في الهندسة والتقنية والأمن السيبراني واللغات والسياحة والصناعة، أي في الموارد الاقتصادية الجديدة، وهذا تحرك جيد؛ لكن مع الخطط المتجددة والمتسارعة تبرز أهمية الإرشاد المهني المبكر؛ فجهل الإنسان بقدراته أميّة يمكن محوها ومنع آثارها له ولمجتمعه.