لا خلاف بين الناس في أن الإسلام قد رفع من شأن المرأة وحررها من قيود القيم والأعراف الجاهلية، كما أن موقف الإسلام من المرأة كان بمثابة منعطف حضاري في تاريخ الإنسانية عامةً.

ولا أريد في هذه المقالة الدخول في تفاصيل تاريخ المرأة في الجاهلية، وحالها في الحضارات البشرية الأخرى، مما كثر الحديث عنه في الكتب والمؤلفات، ولكن بما أن المنافس في هذا العصر ليس تاريخ الأمم القديمة بل هو الغرب بكل ما يحمل من ثقافة وأخلاق تتعلق بحقوق المرأة واحترامها، لذلك هاجم البعض الثقافة الغربية وسعى إلى طمس إيجابياتها والتعتيم على إنجازاتها، وليس هذا فحسب بل وصل الأمر إلى اتهام كل من ينادي ويدعو إلى حقوق المرأة وفق المواثيق الدولية الصادرة عن الغرب، على أنها دعوة شيطانية، الهدف منها احتقار المرأة وإشباع الغريزة منها واستخدامها كأداة للهو والتسلية والربح التجاري، و يقولون إن :"المرأة في الغرب قد دفعت أفدح الثمن من جهدها وكرامتها وحاجاتها السيكولوجية والمادية، بينما المرأة في الإسلام تعيش الكرامة والاستقرار النفسي والعاطفة والسعادة".

والسؤال المطروح هنا: هل المرأة في مجتمعنا أفضل حالاً من المرأة الغربية؟، وهل سألنا أنفسنا يوماً لماذا بعض النساء يتركن ثقافتهن تماماً عندما يسافرن إلى بلاد الغرب ويقلدن النموذج الغربي؟ وهل عرفنا أسباب كثرة الطلاق في المجتمع والآثار السلبية المصاحبة له؟ و هل التمسنا مشاكل المرأة الأخرى والمتعلقة بالزواج والإرث والتعدد والعنف والتعسف ضدها؟.

أستغرب من البعض عندما يتحدث عن أهمية المرأة، وفي نفس الوقت يصمت أمام الظلم والتعسف الواقع عليها بسبب الطلاق أو العنف أو التعدد؟، ويكتفي بالقول بأن الإسلام حفظ كرامة المرأة وهي كالجوهرة المصونة، بينما المرأة في الغرب تئن يائسة ذليلة فاقدة الكرامة!.

ولطالما قال البعض أيضاً العبارة المشهورة: هل ترضاها لأمك أو لأختك..؟ في وجه من ينادي بحقوق المرأة، وهنا أقول: وهل ترضى لأمك أو لأختك أو لبنتك، الظلم والقهر والعنف؟، فهل ترضى لأختك أن يطلقها زوجها لسبب تافه، أو يضربها ويعنفها ويحتقرها لأي سبب كان؟ وهل ترضى لبنتك أن تقهر و تظلم لتعدد زوجها بسبب نزوة أو ما شابه؟.

هذا هو حالنا للأسف الشديد، ابتعدنا عن مشاكلنا وهمومنا لنبحث عن مساوئ الغرب، ونقارنها بالإسلام، بحيث تركزت جهودنا في الكتابة عن ذلك والتعصب ضد الآخر.

لا أريد هنا أن أستعرض إيجابيات الثقافة الغربية حول المرأة، والناتجة عن دراسات وأبحاث عميقة، وتناولها لمشاكل المرأة على أرض الواقع، ولكن أستطيع القول بأن المرأة الغربية عرفت حقوقها، وعرفت شخصيتها، وسعت إلى استقلالها أكثر من أختها في الشرق.

الحضارة الغربية هي في النهاية حضارة إنسانية، ومن المعلوم أن كل حضارة فيها إيجابيات وسلبيات وفيها الجيد والرديء، ونحن لسنا بمنأى عن هذه الحضارة بخيرها وشرها، لذا فما المانع من الاستفادة من أفضل الممارسات الحقوقية للمرأة؟، لماذا نتحرك من موقع الحساسية في التعامل مع الحضارة الغربية أو مع الدعاوى الأخرى التي تنادي بحقوق المرأة؟، أليست هذه الممارسة ما هي إلا تغطية على تشوهات مجتمعاتنا وسلبيات ثقافتها لتكريس التخلف في وعي المرأة بحقوقها؟.

قد يقول قائل: "إن هناك بالفعل ممارسات ظالمة ضد المرأة في أرض الواقع، مصدرها الفهم الخاطئ للإسلام، ولكن قد يتخذ البعض ذلك ذريعة لإثارة الشبهات حول الإسلام؟"، وأقول: أليس من الأجدر والأولى بحث ودراسة هذه الممارسات بدلاً من الجدل الذي لا طائل منه سوى العداوة والبغضاء، والتوصل إلى قوانين وتشريعات مصدرها القرآن والسنة بدلاً من تركها للعرف والمفهوم الاجتماعي غير الواعي للإسلام؟.

لنأخذ على سبيل المثال بعض الممارسات الظالمة على المرأة، والتي منها ما يلي:

• قضية (تعدد الزوجات): نجد في المجتمع التساهل في هذا الموضوع دون أي اعتبار لوضع الزوجة والأبناء، وذلك بحجة أن الإسلام أباح التعدد وهو من حق الرجل متى شاء ذلك، وبشرط العدل بين النساء؟، وعلى أرض الواقع: نجد أن البعض يتعسف في استعمال هذا الحق دون رادع، فيتزوج من شاء من النساء، فيتزوج من تلك ويطلق الأخرى بكل يسر وسهولة!، ناهيك عن الظلم وعدم المساواة بين الأبناء أو الزوجات سواء كان مادياً أو معنويا (المشاعر)، فأين شرط (العدل) في التعدد؟ أم أن الأمر متروك للأهواء وللعرف.

• قضية (الطلاق): لا أبالغ إن قلت إن لفظة (الطلاق) تكاد تكون أسهل من لفظة إلقاء التحية على أحد، لذلك نجد في المحاكم القصص الغريبة والتافهة لأسباب الطلاق، والإحصائيات تنذر بمشكلة كبيرة في المجتمع والسبب في رأيي هو العرف الاجتماعي والذي ربط بالدين للأسف، ومن ذلك على سبيل المثال التغاضي عن إجراءات الطلاق بالنسبة للرجل، وتشديدها على المرأة، ناهيك عن عدم وجود ضمانات مالية أو اعتبارية لهذه المسألة، فأين هي هذه الضمانات والإجراءات، وكيف يمكن تطبيقها؟.

• مسائل أخرى (ضرب الزوجة، القوامة، الحضانة، الإرث): وهنا نجد أن الزوج يضرب زوجته باعتبار أن ذلك حق له والويل والثبور للمرأة إن دافعت عن نفسها لأن ذلك يعتبر من قلة الاحترام وسوء التربية، ونجد أيضاً أن الرجل يكون قيماً على النساء دون أي اعتبار لشروط المسؤولية وهذا ما ينطبق أيضاً على الحضانة والإرث، فأين هي تلك الشروط في القوانين والتشريعات؟.

هذه المواضيع والقضايا السابقة، أليست بحاجة إلى دراسة وبحث، وإلى إجراءات وقوانين واضحة ومكتوبة، بدلاً من تركها للعرف الاجتماعي والمفاهيم الخاطئة؟.

لا أنكر على الإطلاق أن هناك تحرّكا قضائيا نحو تلك المواضيع، ولكن هذا التحرّك يسير ببطء شديد، أحد أسبابه في اعتقادي يتمثل في الخوف من الثقافة الغربية والتعصب ضدها!.