من المعروف كم يؤثر المجتمع على تشكيل المزاج العام والاتجاهات الشخصية لأفراده، ولكن هذا ليس كل شيء. فالمجتمع أيضا يشكل أنماط العلاقات بين أفراده، ويؤثر عبر قنواته المختلفة على آلية إرسال واستقبال الرسائل من فرد إلى آخر.

وإذا تأملنا اليوم طريقة التعاطي بين الجنسين في مجتمعنا، سنلمس عمق الفجوة التي تكونت عبر سنوات، رسم فيها التفكير الجمعي إطارا من الخوف والغربة بين المرأة والرجل.

نحن نرصد هذه الفجوة في صور متعددة، ونلاحظها بشكل كبير في وسائل التواصل الاجتماعي. فنرى -على سبيل المثال- وسوما وحسابات تعمل على إشعال فتيل الحرب بين الرجال والنساء، عن طريق عقد المقارنات المجحفة والتعليقات المستفزة التي يعدّها البعض نوعا من الفكاهة العابرة!، إلا أنها في الواقع تخلق صورة ذهنية سلبية ومدمرة.


ولكن هذه الفجوة لا تقتصر على العالم الافتراضي فقط، بل تتعداه إلى الحياة العامة، إذ نراها في كثير من السلوكيات الاحترازية التي يتخذها غالبية العاملين في أوساط مختلطة، وكأن الضرر هو الأصل، والسلامة هي الاستثناء حين يتعامل رجل مع امرأة.

قد يتساءل البعض عن أهمية طرح مثل هذا الأمر. وأقول إن هذا الخلل في الوعي الاجتماعي خطير جدا وعلينا معالجته. إن التراشق بين شبابنا وفتياتنا على مواقع التواصل هو ثغرة يستغلها أعداؤنا أسوأ استغلال، كما أنه تشويه لوجودنا وقيمنا وموروثنا.

ومن ناحية أخرى، فإن ارتباك حضور المرأة في الحياة العامة، ومخاوفها الأزلية من الرجل «الذئب» الذي يتربص بها، هما أكبر عائق أمام تمكينها واستحقاقاتها.

أعلم أن ردم هذه الفجوة يحتاج وقتا طويلا، ولكنه أيضا يحتاج نضجَ تجربتنا الفكرية والاجتماعية، وقوانين تردع المتنمرين من الجنسين في وسائل التواصل، كما نحتاج أيضا صياغة مناهج تربوية تعيد تطبيع العلاقة بين الرجل والمرأة على المستوى الإنساني.

نحتاج طرحا إعلاميا متحضرا وعقلانيا يعلّم الشاب احترام وجود المرأة، ويعزز لدى المرأة ثقتها بفكرها وقدراتها وإنجازاتها.

وإذًا، في المرة القادمة حين نرى تسجيلا لرجل يعلي شأن النساء في -دولة ما- ويزدري مواطناته، فالواجب الوطني والأخلاقي هنا ملاحقته قانونيا، وليس تبادل المقطع ونشره تحت أي عناوين، وربما يندرج تحت مخالفة لائحة الذوق العام، التي تحتاج مزيدا من التفصيل والتقنين.

علينا أن نعمل رجالا ونساء لنكون جبهة واحدة، وأن نكون فخورين جدا بانتمائنا وكينونتنا وتفردنا.

إنها مسؤولية يترتب علينا تحملها، لنهضتنا وأمننا وأجيالنا القادمة.