تعارفت كل الشرائع السماوية والقوانين والتشريعات على أن الحق في الحياة هو أقدس الحقوق وأكثرها أهمية بلا منازع، وأن أعظم الجرائم هي القتل، لما فيها من مصادرة الحق في الوجود، وما يمكن أن تجرّه من ويلات ومخاطر، إذا لم يتم الأخذ بصرامة وحسم على أيدي من يرتكبون تلك الجريمة النكراء.

لذلك، تَشدّد الشارع الحكيم في ضرورة تطبيق حد القتل على مرتكبيها، لما في ذلك من مساس بأمن المجتمع، وتهديد لاستقراره، وإشاعة الفوضى بين أفراده، إضافة إلى أن الأضرار المترتبة على جريمة القتل لا تقتصر فقط على المقتول، بل تمتد لتشمل عائلته، وجميع من يرتبطون به ويتأثرون بفقده.

كما حذّر الإسلام من التهاون في تطبيق حد الحرابة بحق من يهددون أمن المجتمعات، أو يعيثون فيها فسادا، ويريقون الدماء المعصومة، بغض النظر عن جنسية المقتول أو عرقه أو دينه، مصداقا لقوله تعالى: «من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا»، وقوله صلى الله عليه وسلم: «لَزوال الدّنيا جميعاً أهون على الله من دم سفك بغير حق».

وعندما شرع الله القصاص لم يكن الهدف منه مجرد الانتقام وشفاء صدور أهل الضحايا، بل كان المقصد الأول هو حماية المجتمع من الفساد، والحدّ من ارتكاب الجرائم، لأن من يفكر في ارتكاب هذه الجريمة عندما يستحضر أنه سيُقتل، فإن ذلك قد يكون مدعاة لتراجعه. بل إن القصاص ما شُرع في الأصل إلا رحمة بالعباد، لضمان استمرار الحياة البشرية بأمن وطمأنينة، مصداقا لقوله تعالى: «ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب لعلكم تتقون».

كما أن الإعلان عن أسماء من تمّ تنفيذ الأحكام بحقهم يؤدي إلى ردع غيرهم، ويحذّر من تُسول له نفسه الإقدام على فعل مشابه بأن الجزاء الشرعي في انتظاره، وأن يد العدالة ستطاله لا محالة، كما يبعث رسالة واضحة ومباشرة إلى التنظيمات الإجرامية داخل المملكة وخارجها، بما يؤدي إلى القضاء على الجريمة وحفظ أرواح الناس وأموالهم وأعراضهم.

لكل ذلك، ظلّت المملكة -منذ تأسيسها- لا تتهاون في تطبيق القصاص بحق القتلة، إذا ثبتت عليهم التهمة، وتمسك أهل الدم بحقهم الشرعي، وكذلك في حالات الحق العام مثل قضايا الإرهاب.

وفي هذا السياق، فإن إقدام السلطات -مؤخرا- على تنفيذ أحكام القصاص بحق 37 من الإرهابيين، هي خطوة طبيعية ومطلوبة بشدة، نظرا لخطورة وبشاعة الجرائم التي ارتكبها أولئك القتلة المتطرفون، وطبيعة التهم التي تمت إدانتهم بها، والتي تشمل: تبني الفكر الإرهابي المتطرف، وتشكيل خلايا إرهابية للإفساد والإخلال بالأمن، وإشاعة الفوضى، وإثارة الفتنة الطائفية، والإضرار بالسلم والأمن الاجتماعيين، ومهاجمة المقار الأمنية، باستخدام القنابل المتفجرة، وقتل عدد من رجال الأمن غيلة، وخيانة الأمانة بالتعاون مع جهات معادية بما يضر بالمصالح العليا للبلاد. وهو ما يوضح بجلاء الخطر الذي كانوا يمثلونه على المجتمع.

وغني عن القول، إن التمسك بتنفيذ الأحكام الشرعية في أمثال هؤلاء الخونة، الذين ارتضوا التورط في قضية الخيانة العظمى بتواصلهم مع جهات خارجية معادية لبلادهم، يمثّل كلمة السر في نجاح المملكة المتواصل في حربها على الإرهاب وتنظيماته، واجتثاث شأفته والقضاء عليه من جذوره، ويدرك العالم أجمع أن السعودية قطعت شوطا كبيرا في هذه المهمة النبيلة، وسبقت كل دول العالم في تنفيذها.

والجميع يعلم أنه في مقابل الذين تطبق بحقهم الأحكام الشرعية، فإن هناك آلاف الذين تحوم حولهم شبهات التورط في أعمال إجرامية وما يزالون يخضعون للتحقيق والتحري، وآخرون تم توجيه الاتهامات إليهم رسميا، وتجري محاكماتهم بصورة طبيعية وشرعية، تستوفي وقتها وإجراءاتها، دون تعجّل أو تسرع، وتوفر للمتهمين كل حقوقهم القضائية، من دفاع واستئناف وخلافه، رغم أن أولئك المتطرفين المجرمين لم يمهلوا ضحاياهم دقائق محدودة ليغادروا أماكن جرائمهم النكراء. كما أن السلطات المسؤولة لا تنفذ أحكام القصاص إلا بحق من يثبت -بصورة لا تدع مجالا للشك- أنه تورط فعليا في قتل الأبرياء، وهناك آلاف من المغرر بهم يتم استيعابهم في المجتمع بعد استتابتهم، شريطة ألا تكون أياديهم قد تلطخت بدماء الأبرياء، وتتاح لهم فرصة العودة إلى حياتهم الطبيعية مرة أخرى، أفرادا صالحين منتجين مسالمين، بل وتتم مساعدتهم ماليا وعمليا لتجاوز تلك الفترة السوداء من حياتهم.

وهناك -للأسف- من يحاولون التباكي بذريعة حقوق الإنسان، فعلى هؤلاء إدراك أنه لا ينبغي التعاطف مع الإرهابيين، الذين قصدوا زعزعة الأمن وإلقاء الرعب بين الناس، وتعريض حياتهم وأمنهم للخطر، وأن هذا التعاطف أولى به الأبرياء الذين يفقدون أرواحهم وتضيع أموالهم بسبب تلك التصرفات الخارجة على القانون. فأي الناس أحق بالتعاطف، الذين قُتلوا غيلة وضاعت حياتهم بلا ذنب، بأيدي فئة مجرمة باغية وخارجة على القانون، أم أولئك الذين يستهينون بالأرواح المعصومة، ولا يتورعون عن إزهاقها؟

ومَن الذي يستحق الوقوف معه ومساعدته، من فقدوا آباءهم وإخوانهم وأبناءهم بلا سابق إنذار ودون جريرة، أم من بلغ بهم الاستخفاف أن يقدموا على قتل أشخاص ربما لم يرتبطوا معهم بأي سابق معرفة، لمجرد أنه تصادف مرورهم بأحد المواقع التي شهدت تنفيذ عملياتهم الإجرامية؟

ولأولئك الذين لا يرون في الحياة شيئا جميلا، ويذرفون دموع التماسيح تعاطفا مع من لا يستحقون التعاطف والشفقة، أقول: إن أمن هذه البلاد المباركة التي اصطفاها الله بأن جعلها مهبط وحيه، وشرّف قادتها وأهلها بخدمة حرميه الشريفين، واستضافة الحجيج والمعتمرين والزوار، أهم وأكبر وأعظم من الالتفات إلى أصواتهم المشروخة، أو التأثر ببياناتهم الصفراء المغرضة، فقد مارست المملكة فضيلة الصبر بما يكفي، وعندما يحين أوان الحزم والحسم فإن قادتها لن يترددوا في ذلك، والمملكة إذ تمضي في هذا الطريق فإنها لا تلقي بالا للأصوات التي تحاول التشويش عليها، ولا تأخذها في الحق لومة لائم، حرصا منها على تطبيق شرع الله، بما يحقق مصالح شعبها والمقيمين على أرضها.