لم تمر ساعة حتى وصل بقية الأبناء تباعا من مدرستهم ولهوهم، فطلبت الأم من ابنها الأكبر أن يصطحب شقيقه الصبي الصغير إلى ذلك الدكان الذي اشترى منه الحلوى ووضعت في يده القليل من النقود ليدفعها للبائع عن الحلوى التي باعها للصبي سابقا، ويستعيد منه الجنيه الذهب الذي أخذه من الصبي الصغير.

وأخذت الأم تبتهل إلى الله أن يتجاوب البائع مع ابنها الأكبر ويعيد إليه الجنيه الذهب، وإلا فسوف تضطر إلى إبلاغ زوجها ليذهب بنفسه إلى البائع إن احتاج الأمر، ويرغمه على إعادة الجنيه إليهم.

اصطحب الابن الأكبر شقيقه الأصغر إلى الحانوت عند مدخل السوق، ممسكا بيد الصبي الصغير الذي لا يكاد يستوعب ما يجري حوله من أحداث، ولا يستطيع أن يفسر سبب ذلك القلق الذي بدا على وجه والدته.

وما إن وصل الاثنان إلى مدخل السوق حتى أشار الصبي الصغير بيده إلى الحانوت الذي اشترى منه الحلوى، فاتجها إليه مباشرة، وهنا رآهما صاحب الدكان الذي باع الحلوى للصبي، فخرج إليهما مبتسما ومرحبا وبادر الشقيق الأكبر قائلا: يا هلا ومرحبا، كنت متوقعا مجيء شخص من عائلتكم أكبر سنا من هذا الصبي، فقد جاءني بهذا الجنيه وطلب شراء حلوى فعرفت أنه أخذ الجنيه الذهب من منزل عائلته دون علم أحد، وقرر استخدامه لشراء ما يريده من الحلوى أو ما شابه، ولأني أعرف عائلته فقد أعطيته ما يشاء من حلوى واحتفظت بالجنيه الذهب هنا في الدكان في الحفظ والصون، في انتظار حضور أحد من طرف عائلتكم، وكنت أنوي الحضور بنفسي إلى منزلكم لإعادة الجنيه بعد صلاة العشاء إن لم يحضر أحد منكم، والحمد لله ها هو الجنيه أعيده إليكم، مع رجائي أن تحتفظوا بالحلوى للصبي الصغير كهدية مني، وأرجو أن تبلغ سلامي للوالد.

نظر الابن الأكبر إلى صاحب الحانوت بابتسامة عريضة تعبر عن امتنانه وعرفانه بالجميل، فقد كفاه مشقة الشرح والتوضيح، ثم أخذ منه الجنيه الذهب شاكرا، ونظر إلى شقيقه الأصغر نظرة تأنيب، وأمسك بيده دون أن يقول شيئا، وقفل عائدا إلى منزلهم.

هناك تناولت الأم الجنيه الذهب من ابنها الأكبر وهي تقول «والله يا ابني لا تزال الدنيا بخير».. يا زمن الناس الطيبين.

* الحياة في مدينة لا توجد

* صدر عام 2017