رُبّ سليم من أمراض الجسد، تشاهده الحياة من شرفة قبره، وقد ترك الحياة دون أن يعلم، وإن سألته عن سبب ذلك، امتنع وامتعض، واتهمك بالجنون، مستشهدا على بقائه على قيد الحياة، بأن قلبه ينبض، وجسده ما زال دافئا، وعلاماته الحيوية طبيعية، وكأنه يعلم أن كل ما ذكره هي دلائل على أنه حي إكلينيكيا فقط.

الحياة هي الحياة، حياة الألوان، حياة الفكر الصافي، الخالي من التشكيك والترهيب والتنكيل والتخوين وسوء الظن، وكل ما يبعثه القلب الميت، وعكسها حياة القلب الذي يهمه القلب.

فتجد من هو على قيد الحياة بالفعل، يعامل قلب القطة على أطفالها، بالمقياس نفسه الذي يعامل به قلب أم أطفاله على فلذات أكبادها، تجده ينظر إليك وكأن كل ما فيك يغذي قلبه، فتجده اهتم أنك لم تستمتع بهذا المطعم، وأبدلك غيره دون أن تشعر، ويشد الرحال من بلد إلى بلد، ليلبي رغبات طفلة جيرانه التي ترغب في كتاكيت من ذلك النوع، ولم تجدها بالقرب منها، ولأنه استرق النظر لها وهي تبكي في أحضان والدها الذي تعب من البحث بالجوار، ولكن هذا وكل ذاك لم يتعبه لأنه يتبع النبض الذي يسري في عروقه، يخبره بأنه لم يخلق دون نبضات قلب، وأن هذه النبضات هي ما أفرحت أمّه وبشّرتها بأن الحياة دبّت في قلب جنينها الذي ينمو في أحشائها، فلم يخذل تلك النبضات يوما، ويرد لها الجميل كلما حانت الفرصة، إما بدمعة قطرت من عينه واستقبلها قلبه، وإما ببهجة خضّت الدماء في شرايين قلبه، لأنه رأى تلك العاملة المنزلية، وقد احتضنت طفلها الذي تركته لتقوم برعاية طفل غيرها، فتجده على اتصال دائم بقلوب من حوله حتى بدون علمهم.

وليست هناك علاقة بين الحياة والقوة الجسدية، فكم من جسد طريح الفراش، وكي تشعر أنك حي تحرص على مجالسته، وكم من جسد ملأته الشحوم والهرمونات المصنعة، ولم يستفد من عضلاته المفتولة حتى مرآة النادي التي يقف أمامها بالساعات، وهو لا يعلم أن جسده الذي كلف آلاف الريالات، لا لون ولا رائحة له بين قلوب الأحياء، وبعد أن يثق بأنه ميت في جسد تغطيه الحياة الإكلينيكة، يتمنى الحياة ولو كانت في جسد مريض يعيش الحياة من شرفة المستشفى على الأقل.

نظرة للسماء «یَـأَیُّهَا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا ٱستَجِیبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا یُحیِیكُم» قد نكون أمواتا والحياة بقربنا.