وذات ليلة، وهو يتجول وحيدا في الغابة الكثيفة، فاجأته أمطار غزيرة ورعد يدوي وبرق مخيف، ولكنه استمر في تجواله وهو يفكر بعمق في التناقض العجيب المحيط به، ويقارن بين سكون وهدوء الغابة المسالمة وبين زمجرة الرعد وفرصعة البرق الخاطف بين صمت الأرض وضجيج السماء.
وفجأة أصابه تيار البرق الكهربائي إصابة مباشرة، وسرى التيار من الفضاء إلى دمه وعروقه ثم إلى الأرض، وكأن «سامر» لفترة لا تتعدى الجزء من الثانية، قد أصبح نقطة التقاء السماء بالأرض، ولكنه لحكمة ما لم يُقض عليه بل أصيب بإغماء طويل.
وأثّر التيار الصاعق على سامر بصورة لا يمكن تفسيرها. فقد اختلف تكوينه الداخلي وشكله الخارجي، وتأثرت خلايا جسده وهيكله العظمى تأثيرا هائلا، وتحول بقدرة الخالق إلى عملاق ضخم مخيف المنظر، يزيد طوله على بضعة أمتار، وأفاق صاحبنا من إغمائه، وبدا له ما حدث ففزع من التحولات التي طرأت عليه، فزع من نفسه، فزع من صوته الذي تحول إلى مجرد دمدمة مدوية مبهمة، لا يمكن فهمها أو فهم مقصودها، وبعد أن استوعب الموقف لم يكن أمامه إلا أن يتجه إلى المدينة مذعورا، لعله يجد فيها من الطب والعمل ما ينقذه من حالته تلك، ولكن بمجرد إشرافه على المدينة تبعثر الناس من حوله خائفين فزعين من المنظر الغريب المفزع لذلك العملاق المشوه، فوقف سامر حائرا وهو لا يدري كيف يتصرف أو ماذا يفعل.
وانتشر الخبر بسرعة البرق إلى جميع أنحاء العالم، وحضر رجال الشرطة والأمن والجيش والسياسة والصحافة، وكل من يهمه الأمر، وتباحثوا وتشاورا وتهامسوا وأحاطوا بالعملاق، وشيئا فشيئا وثقوا جميعا من أن ذلك العملاق الرهيب لا يريد شرا ولا ضررا، وإنما هو آمن وديع.
حاولوا التخاطب معه بشتى اللغات والوسائل فلم يستطيعوا، كما أنهم لما يتبينوا أنه كان يفهم كل كلمة يقولونها، ولكنه عندما كان يحاول أن يجيبهم لا يستطيعون فهم كلمة واحدة مما يقولها، فعلى الرغم من أن صوته كان يدوي كالرعد إلا أنه لم يستطع أحد أن يتبين كلماته أو يستوعب منها شيئا.
وأخيرا، حضر حاكم تلك البلاد ومعه جيش من مساعديه ومعاونيه، واحتار ماذا يفعل مع هذا المخلوق الغريب، واقترح واحد من المساعدين أن يحاولوا مخاطبة هذا العملاق بالكتابة أو بالإشارة، وهم لا يعلمون أنه كان يفهم كل كلامهم. فأحضروا له أكبر الأقلام حجما، وأوسع الأوراق مساحة، حتى يمكنه التواصل معهم كتابة إذا ما كان في استطاعته الكتابة، فأمسك القلم بين أصابعه الضخمة، وكتب لهم بخط جميل ما يوضح أنه يستطيع فهم كل كلمة يقولونها.
ثم أخذ يجيبهم كتابة عن أسئلتهم بذكاء خارق وعبقرية جبارة، وأخبرهم بقصته وبما يمكن أن يكون، وبالذي حدث له.
وشيئا فشيئا تبين للجميع أنهم أمام مخلوق غير عادي، ذي ذكاء غير طبيعي، وعبقرية فذة لا مثيل لها. بل وظهر للجميع أن بإمكان هذا العملاق المشوه أن يحدثهم عن المستقبل، وعن أحداث سياسية واقتصادية وعلمية ستجري في المستقل القريب وتؤثر على العالم أجمع، فقد وهبه الله -عز وجل- هذه المقدرة بلمسة خاطفة من البرق الصاعق.
* الحياة في مدينة لا توجد
* صدر عام 2017