ربما سمعت من كبار السن عن كيفية صومهم في الماضي، وتعجبت أن يومهم الرمضاني مثل غيره من الأيام، ولا يختلف عنه سوى أنهم لا يفطرون فيه، وربما أخبروك أن الحياة تستمر كما هي، إذ يذهب الطلاب إلى المدارس، والموظفون إلى أعمالهم، والمزارعون والرعاة إلى أشغالهم، لا أحد يمضي النهار نائما والليل ساهرا، بحجة الشهر الكريم.

بلندن -في رمضان- حياتنا تشبه زمن الطيبين، إذ لا يوجد عذر اسمه رمضان لتغيير المواعيد، فالمدارس تحتفظ بمواعيدها، وكذلك الدوامات -رغم طول الصيام الذي يقترب من 21 ساعة- يلتزم المسلمون باحترام الجميع الشهر، وما يتطلبه والمجتمع البريطاني ممثلا في مؤسساته.

وفي الحقيقة، لا يبدو الأمر صعبا أبدا إلا عندما يسألك صديق أو قريب -وملامح الشفقة على وجهه- هل تعملون وأنتم تصومون كل هذه الساعات؟.


لقد صام الطيبون في أجواء أشقى، ومع ذلك لم يعرف عنهم السهر والنوم طوال النهار، فكيف تظن الأمر صعبا أو مستحيلا، وتفرض على نفسك ثقافة عجيبة تؤدي بك إلى خسارة الغاية من رمضان وصيامه، وهي ولا شك لا تتحصل بالنوم طوال النهار.

إن رسالة الصوم وتهذيبها للنفس البشرية لا تصل وأنت نائم، تستيقظ فقط لانتظار الأذان. الشعور بالفقراء وحاجتهم إلى الطعام، وتنقية دمك وذهنك من الخطايا والذنوب، لا يمكن أن يتم وأنت نائم حتى لو كنت صائما.

إننا بحاجة إلى أن نمكّن الصوم من أداء دوره مع الأفراد ثم المجتمعات، وهذا لا يتحقق أبدا بالاستجابة لدعوات تفرد رمضان بالإجازات، وفتح المحلات طوال الليل، وتحويل ليله الطويل إلى سهر مدقع في المقاهي والمطاعم، كأن الصائم بّدل اليوم، وقلب الليل والنهار، ولم يصم إلا لأنه نائم.