يُقاس رقي المجتمعات بقوة بنائها المجتمعي، وتكامل وتطور القطاعات المكونة لبنيته، وشيوع القيم الفاضلة بين أفراده؛ وخصوصاً قيم العدل والمساواة والتعاون والتواصل والتراحم.
اليد الواحدة ـ كما يقولون ـ لا تصفق، والدور الحيوي يحتاج إلى تضافر بين مؤسسات المجتمع المدني، والقطاعين الحكومي والخاص؛ ولأجله صدرت قبل نحو عامين موافقة سمو أمير منطقة مكة المكرمة - وفقه الله - على مشروع "ميثاق الشراكة الاجتماعية"، واعتماد تأسيسه بالشراكة بين الإمارة وجمعية مراكز الأحياء والغرفة التجارية بمكة المكرمة، ليكون أول مبادرة من نوعها في تحقيق التكامل، وتنفيذ أهداف المخطط الاستراتيجي لتطوير منطقة مكة المكرمة (بناء الإنسان وتنمية المكان).. الترجمة العملية للأفكار النظرية السابقة تمت مؤخراً من خلال تنظيم ملتقى المؤسسات الاجتماعية (قيم وبناء)؛ أوصى المشاركون في نهايته بإنشاء مركز متخصص لبناء القيم، وتكوين مجلس تنسيقي للمؤسسات المجتمعية، وتنبني ميثاق الشراكة الاجتماعية لإطلاق مشروع وطني عام.
الملتقى انحصرت المشاركات فيه على المنتسبين للجمعيات الخيرية بمنطقة مكة المكرمة، إضافة إلى بعض المهتمين بالعمل الخيري. وكم كنت أتمنى وقد شاركت بعض فعالياته أن لو دعي للمشاركة فيه مختلف الفرق الشبابية التطوعية في المنطقة، جنباً إلى جنب مع أكاديميي الجامعة، وكبار السن، وأعضاء مراكز الأحياء؛ فالفرق الشبابية الاجتماعية الخيرية في أمس الحاجة إلى تعلم القيم وتعليمها، وصولاً للبناء المطلوب، ولا يخفى على أحد أن مكة المكرمة هي بالفعل (عاصمة التطوع) في العالم، وأعمال الحج خير دليل. تمنيت أيضاً أن لو تخفف برنامج الملتقى من لباس التنظير، وكثرة الكلام في الرؤى والأفكار، مما كاد يضيع ـ وربما ضيع بالفعل ـ على البعض ترتيب الأولويات والأهداف والأفكار، وتسلسلها المثالي، خاصة مع كثرة ضرب الأمثلة، وذكر العموميات.. برنامج الملتقى تضمن تفريغ يوم كامل لورش العمل، وللأمانة لم أحضرها، ولكن انطباعات من أثق فيهم شبه مجمعة على أنها لم تكن متحدية لرغبات من حضر، وكانت في مدتها أقل من المدة الممنوحة للتنظير، والمطلوب العكس ـ بالمناسبة أتمنى لو نستبدل جملة (ورشة عمل) بجملة (حلقة عمل) أو (اجتماع عمل) لنمنع بذلك ما يتبادر إلى الذهن عند إطلاق كلمة ورشة؛ وأقصد بذلك المكان المعد لصناعة الأشياء أو إصلاح المعدات يدوياً ـ . مما تمنيته على القائمين على الملتقى المبارك ـ وأتمناه في كل المحافل العلمية ـ أن لو استعاضوا بالأقراص المدمجة (Compact Disk) أو الذاكرة السريعة (Flash Memory) عن الأوراق الكثيرة التي وزعت على الحضور؛ ففي هذه البدائل توفير للمال، وتحفيز على إيجاد مجتمع معلوماتي قادر على التعامل مع المعطيات التقنية، وجاهز على مواكبة عصر المعلومات.
وأخيراً وليس آخراً، تمنيت على إدارة الملتقى لو كان عقدهم له في غير المكان الذي تم عقده فيه.. الذهاب والعودة إلى هناك كان من الصعوبة بمكان، ولعل هذا ما جعل الملتقى يستمر في أداء أعماله، رغم أن مؤذن الحرم المكي الشريف الشيخ أحمد بصنوي كان يصدح عالياً بصوته الجميل، مذكراً بوالده رجل المواقف المشهودة الشيخ عبدالله بن محمد بصنوي ـ رحمه الله تعالى ـ، وحمدت ربي على المرونة في ذلك؛ رغم شرعية وسنية إجابة المؤذن، ورغم أن الأولى تقديم الأذان في أول الوقت، وقطع العلائق لأجله.. منهياً بأن تعدادي للأماني لا يلغي سعي النبلاء في الملتقى على إنجاحه.