العلاقات اليمنية - السعودية ضاربة جذورها في أعماق التاريخ، وتستمد قوتها من القواسم المشتركة بين أبناء البلدين والشعبين الشقيقين التي لا تقف عند مشتركات الدين واللغة بل ووشائج الأخوة وصلات القربى التي نسجت خلال العقود المتواترة أنموذجًا فريدًا من العلاقات التي قّلما يكون لها نظير من الخصوصية الاجتماعية وتماثل العادات والتقاليد وأنماط المعيشة ومشاعر الأخوة التي لا يلمسها إلا أبناء الشعبين الذين تآلفت قلوبهم على المودة وتشابكت سواعدهم وأكفهم على دروب العمل والبناء.

إن تاريخ مسار العلاقات اليمنية - السعودية حافلٌ بالعطاء والدروس والعّبر التي يمكن الإشارة إلى بعض ملامحها التالية:

1 - تلازم مسار العلاقات اليمنية - السعودية و«عمقها الإستراتيجي» بكافة أبعاده السياسية والأمنية والاقتصادية.

2 - إن المملكة الشقيقة كانت وستظل السباقة إلى دعم ومساندة اليمن والشعب اليمني في أصعب الظروف والمنعطفات، وهي الحقيقة التي برزت بأفضل تجلياتها بتلبية المملكة ودول التحالف العربي لطلب فخامة الرئيس عبدربه منصور هادي، لإنقاذ اليمن من طوق التمدد والنفوذ الإيراني، والتصدي لمخاطر زعزعة الأمن والاستقرار الإقليمي عبر وكيلها المحلي المتمثل بميليشيات الحوثي الانقلابية ومشروعها السلالي الكهنوتي.

3 - عمق العلاقات والتعاون والتنسيق بين قيادتي وحكومتي البلدين وقادة دول التحالف العربي التي ارتقت إلى مستوى مواجهة التحديات والمخاطر والمبادرة إلى خوض معركة الدفاع المشترك التي سّطر فيها الأبطال من أبناء المملكة ودول التحالف العربي والجيش الوطني والمقاومة الشعبية اليمنية الملاحم البطولية التي امتزجت فيها دماؤهم الزكية.

4 - إن الانتصارات التي تحققت في مواجهة الانقلاب وتداعياته إنما هي إحدى العبر التي تتطلب أحداثًا مقاربة بين الأوضاع التي كانت سائدة حتى الـ26 من مارس 2015، حينما كانت الميليشيات الانقلابية قد وصلت إلى عدن بعد اجتياح المدن والمحافظات اليمنية، وبين المشهد الحالي الذي استعادت فيه الحكومة الشرعية بدعم وإسناد دول التحالف العربي بقيادة المملكة الشقيقة (85%) من الأراضي وصولاً إلى عقر دار الميليشيات الانقلابية في محافظة صعدة، الأمر الذي يجسد حقيقة أن الانتصارات الكبيرة لا تتحقق في زمن الأزمات إلا بتوحيد الإرادات والطاقات، ورص الصفوف خلف القيادة والحكومة ومؤسساتها الشرعية، ودعم جهودها وتعزيز علاقاتها مع الدول الشقيقة والصديقة لتتمكن من النهوض بمسؤولياتها في هذه المرحلة الدقيقة والحساسة من تاريخ اليمن أرضًا وإنسانًا، ومن خلال تغليب المصلحة الوطنية على المناكفات، وافتعال الأزمات التي تفت في عضد الوطن وتطيل أمد المعاناة.

5 - أن يتذكر أجيال الحاضر والمستقبل بأن الأسباب الحقيقية لمعاناة اليمن واليمنيين وتشتيتهم وتهجيرهم في الداخل والخارج إنما هي أحد تداعيات الحروب المتواصلة التي شنتها الميليشيات الحوثية منذ العام 2004م وحتى انقلابها المشؤوم والحرب الظالمة على أبناء الشعب اليمني، وتدمير ونهب مؤسسات ومقدرات الدولة على نحو لم يشهد له التاريخ السياسي والاجتماعي اليمني مثيل، والتي أصابت أجهزة ومؤسسـات الدولة بحالةٍ من الشلل، وعطلت المسارات والأطر التنظيمية لعلاقــــات اليمن الثنائية مع الدول الشقيقة والصديقة والعلاقات والاتفاقيات متعددة الأطراف مع المنظمات والهيئات الإقليمية والدولية التي تسعى الحكومة الشرعية جاهدة إلى إعادة تنظيمها وتشكيلها وتفعيلها حسب الأولويات والمتطلبات الملحة التي تراكمت خلال سنوات تلك الحروب والأزمات المتعاقبة وحتى الآن.

6 - في ظل جسامة الحدث وتطورات الأوضاع والخلل المؤسـسي والتداعيات الخطيرة للعملية الانقلابية، بادرت المملكة إلى دعم الشعب اليمني والحكومة الشرعية في شتى المجالات وساندت الدبلوماسية اليمنية في كافة المحافل الإقليمية والدولية وتظافرت جهود الجهات المختصة في المملكة منذ بداية الأزمة لتعزيز قدرة البعثة التمثيلية لبلادنا ممثلة بالسفارة في الرياض والقنصلية العامة بجدة لتكون الدبلوماسية اليمنية حاضرة وبمثابة النسق الأول للقيام بالعديد من المهام الاستثنائية والنوعية وتنظيم عملية دخول واستقبال الأعداد الكبيرة من النازحين والجرحى والمصابين والمتضـررين من ظروف الحرب عبر المنافذ والموانئ المختلفة، وتنفيذ توجيهات فخامة الأخ رئيس الجمهورية عام 2016م إلى قيادة وزارة الخارجية ووزارة الداخلية والفريق الفني لمصلحة الهجرة والجوازات لتحرير وثيقة الجوازات السيادية من سيطرة الميليشيات، وإعادة تشغيل منظومة الإصدار الآلي للجوازات وفتح مراكزها، وإصدار الجوازات لملايين من الأخوة اليمنيين داخل وخارج اليمن بمن فيهم مئات الآلاف من المشمولين بالمكرمة الملكية لخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز تلبية لطلب شقيقه فخامة الرئيس عبدربه منصور هادي - حفظهما الله -، وفتح المراكز لاستقبال معاملات تصحيح أوضاع إقاماتهم ومنحهم إقامات زائر وتنظيم عملية إصدار جوازات السفر لهم من قبل السفارة بالرياض والقنصلية العامة بجدة، ومنحت الإقامات النظامية للملتحقين منهم بأسواق العمل وفقًا للشروط المنظمة لذلك، وقامت المملكة بإطلاق عملية إعادة الأمل، وشرعت في تنفيذ البرنامج السعودي لتنمية وإعمار اليمن بإشراف سعادة سفير المملكة لدى اليمن، وتنفيذ برنامج مسام لنزع الألغام بالتعاون مع اللجنة الوطنية اليمنية لإزالة الألغام التي زرعتها الميليشيات الحوثية، وتبوأت المملكة المرتبة الأولى في دعم خطة وبرنامج الاستجابة الإنسانية لليمن، وتقديم مختلف أوجه الدعم الإغاثي والإنساني والتنموي إلى كافة المناطق والمحافظات اليمنية، واستقبال وعلاج الجرحى والمصابين عبر مركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانية، وتقديم التسهيلات اللازمة أمام حركة التنقل والسفر عبر منفذ الوديعة البري الذي ارتاده ذهابًا وإيابًا خلال العام الماضي (620,648) مواطنا يمنيا (ناهيك عن حركة المسافرين عبر المنافذ الجوية)، وفتحت إجراءات وتسهيلات إصدار تأشيرات الحج والعمرة والزيارات العائلية والعلاجية والاستقدام لغرض العمل. إن تلك النماذج تجسد الشواهد على أن مملكة الخير وشعبها العزيز وقيادتها وعلى رأسها خادم الحرمين الشـريفين وولي عهده الأمين ستظل من خلال علاقات التعاون والتنسيق والتفاهم الأخوي مع القيادة السياسية لبلادنا ممثلة بفخامة الأخ الرئيس عبدربه منصور هادي، الطود المتين والحصن الأمين لليمن واليمنيين داخل المملكة وخارجها، وتتلمس همومهم ومعاناتهم لاسيما في ظل الظروف والأوضاع الاستثنائية التي تشهدها اليمن.

السفير القنصل العام وعميد السلك الدبلوماسي والقنصلي بجدة