التابع جزء من المتبوع، فبتقدير المتبوع يتم تقدير التابع؛ وبتحقير المتبوع يتم تحقير التابع، والدم تابع للروح، والروح متبوعة من الدم. إذاً فلا يتم تحقير الدم (التابع)، إلا بعد تحقير الروح (المتبوعة). إذاً فلا يحتقر التابع (الدم)، ويراق؛ إلا بعد أن يكون قد تم احتقار (الروح) المتبوعة. وعليه نتوصل إلى نتيجة وهي، أن من تمت إراقة دمائهم، قد تمت إراقة أرواحهم قبل ذلك؛ وعليه تم استسهال إراقة دمائهم.

أي أنه لا تستباح وتراق الدماء إلا بعد أن تستباح كرامة الأرواح وتذبح مسبقاً؛ وعليه فالمجازر الإنسانية تبدأ بجزر الأرواح تمهيداً لجزر الأجساد، وذلك بإراقة دمائها. ومن هنا يبدأ تخريب الأرض وتدميرها، لا بناء الأرض وتعميرها، التي من أجلها خلق الله الإنسان، ونفخ فيه من روحه المقدسة. فحرمة إراقة الدماء تأتي من الاعتداء الغاشم على جانبين مقدسين، أولهما الاعتداء على حكمة الله في خلقه للإنسان، وثانيهما، نزع روح، أودعها الله في الإنسان بفضله وحكمته، وهو الوحيد المختص بقبضها، متى ما شاء، بفضله وحكمته كذلك.

أما هدم الحجر المقدس، حجراً حجراً، فيعود ضرره، على من تجرأ وهدمه، ولا يمس هذا من قوة قداسته في قلوب مقدسيه. حيث يتم بناؤه كذلك حجراً حجراً، بعد زوال العدوان الغاشم عليه. وهذا دليل على قوة الحجر المقدس وديمومته؛ حيث يرمز لمعان وشعائر تعبدية إيمانية تستمد قوتها من إيمانها، لا من الحجر ذاته. حيث قال عمر بن الخطاب، رضي الله عنه وأرضاه، قبل أن يقبل الحجر الأسود «والله إني أعلم بأنك حجر أسود، لا تنفع ولا تضر؛ ولكنني لولا أنني رأيت رسول الله يقبلك لما قبلتك».

والروح الإنسانية في ذاتها ما هي إلا تعبير عن الإنسان، من أجل فسح المجال أمامه لإعمار الأرض وإصلاحها، ونشر الخير والسلام في ربوعها. وحقوق الإنسان هي عدم الاعتداء على حرياته وخياراته الشخصية (غير المؤذية أو المعتدية على حريات غيره)، وعدم الحط من قيمته الإنسانية، وفتح الفرص أمامه مثل غيره بدون تمييز أو تحيز ضده.

وفتح الفرصة بالتساوي أمام الجميع ليتنافسوا على فعل الخير من إعمار وإصلاح، وفي ذلك فليتنافس المتنافسون. ألم يقل عمر بن الخطاب رضي الله عنه، عندما تم انتهاك حرية أحد مواطني دولته وهو غاضب «متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا؟!»، وهكذا رأينا كيف فرق عمر رضي الله عنه في رؤيته الإنسانية النابعة من عقيدته الإسلامية، العارفة والمتعمقة في أمور دينه وإدارة دنياه، بين حقوق الحجر، وحقوق البشر.

وسفك روح الإنسان لا يأتي إلا بعد سفك حقوقه وهدر كرامته، ومن هنا تسهل إراقة دمه؛ والتي هي أعظم حرمة عند الله من هدم الكعبة حجراً حجراً. إذاً لا يجب أن تختزل حقوق البشر بذريعة الدفاع عن الحجر، مهما كانت قدسيته وعزته؛ فالدنيا بما فيها الحجر ما هي إلا أدوات لصيانة كرامة البشر.

ومن هذا المنطلق، أقترح أن نتحرك من أجل إيجاد تعريف لمفهوم مصطلح الوطنية.

* «الوطن» عام 2011