بدايةً، لم نعد نفرح بالأمطار التي يغيث الله بها البلاد والعباد، كما كنا منذ الطفولة، لأن بعض من يعتقدون أنهم عباد مخلصون، بدأ إخلاصهم يظهر للعيان مع كل يوم تمطر فيه السماء، لينقطع العباد في الأرض عن حياتهم اليومية، حتى وإن كانت احتياجات طارئة. فنصيحة لمن لديه مريض ويراجع به أي مستشفى في المدينة وهو يسكن في المحافظة المجاورة، أن يستأجر له شقة جوار المستشفى طوال فترة الأمطار، لأن الطرق التي نفذها المقاول عام 2017، نفّذها بناء على توصيات «بني عمه» الذين يسكنون هذه الأودية والشعاب، حتى يمر المشروع بأكبر قدر من أراضيهم، وتهلّ عليهم التعويضات بالملايين.

حتى وإن حضر مهندس الطرق الجبلية المختص، وأوصى بأن يمر الطريق من غير هذا المكان، فعزيمة واحدة على وجبة غداء أو عشاء، فيها من الدهن والدسم ما يذيب نبضات القلب التي تصرخ قائلة «لا.. لا.. لم أنبض لك لتغرق الناس وتشردهم من منازلهم وتقطعهم عن العالم لأجل حفنة من الورق وقبضة من الدهونيات». هناك مشاريع وطرق كلفت ميزانية الدولة مئات الملايين في أماكن مختلفة، تم افتتاحها -بقدرة الله- بداية عام 2018، وأغلقت -بحفظ الله- عام 2019، وتحتاج الآن عشرات الملايين لتصليحها.

وفي هذه الدقائق -وخلال كتابة هذا المقال- فإن مئات المواطنين -بمن فيهم من مرضى وموظفين ومسافرين- أجبرهم إغلاق مشروعين تم افتتاحهما في السنوات الأخيرة، على استبدالهما بالطريق الذي تم تنفيذه عام 1985 من قِبل شركة يابانية «وهو الطريق الوحيد الذي يعمل طوال هذه السنوات كلها، وهو الملجأ الوحيد لوصول سكان المحافظات إلى العالم في أي موسم أمطار».


والكارثة أنه لو أن أحدا من سكان هذه المحافظات دبّت في عروقه الجرأة، وأراد التواصل مع هيئة مكافحة الفساد، أو حتى الاتصال بأي من طوارئ النجدة والإسعاف، فعليه الانتظار حتى تشرق الشمس من جديد على هذه المحافظات، لأن أبراج الجوال هناك تعمل بالطاقة الشمسية، وتنطفئ في حال حجبت الغيوب الشمس عنها، لأن متعهد هذه الأبراج نسي أو تناسى حدوث ذلك، وكأنه وضع نادر جدا، وليس معتاد الحدوث في أي بقعة في هذا العالم، بما فيها الدول التي صنعت هذه الألواح الشمسية التي اشتراها صاحبنا، ولكنه رفض أن يشتري معها بطاريات تحفظ الطاقة لعدة أيام، لأنه أذكى من أن تبتزه هذه الشركات العالمية، وكأنه العميل الوحيد لها على مستوى العالم. وخلال سنة من الآن، تكرر الوضع أعلاه أكثر من 3 أو 4 مرات، وإما أن تكون شركات تنفيذ الطرق وأبراج الاتصالات في العالم بأجمعه غبية جدا لهدر أموالها على إتقان عملها، أو أننا أذكياء لدرجة أنهم لم يستطيعوا اللحاق بنا في طريقتنا لتوفير المصروفات، ولأننا أذكياء جدا فلم يتم تغيير مسببات هذه المعاناة، بما فيهم أصحاب المناصب في البلديات والأمانات الذين أمضى بعضهم الأعوام الـ10 الأخيرة في المنصب والكرسي نفسه، ولم تطله يد التغيير، نظرا لإتقانه المتفاني غير المكرر. ولأن بعض أبائنا أغبياء جدا، فللأسف -وبعد أن يجدوا الطرق مغلقة- نسمعهم يقولون «يا ليتها نُفّذت عام 1985».

نظرة للسماء: إن كان التطور التكنولوجي والنمو المتسارع في المال والاقتصاد يجعلاننا نتأخر أكثر فأكثر مما كنا عليه، فهذا يعني أننا خارج عجلة الزمن.