في يوم العيد وجه سمو ولي العهد كلمة مباشرة للمرابطين على الحدود، ومما قاله حفظه الله لجنودنا في هذه الزيارة الكريمة «إن ثلاثة ملايين من بني آدم يتعبدون في قبلة المسلمين وهم في غاية الراحة والأمان هو بسببكم أنتم، فتغبطون على هذا الأجر»، إن هذا المعنى الشريف الذي أشار إليه ولي العهد لا بد أن نعيشه نحن -الآمنين في بيوتنا، وأن ينعكس هذا على إحساسنا بالمسؤولية الشرعية والوطنية تجاه هؤلاء الأبطال، وسأشير إلى هذه الواجبات والحقوق في آخر المقال، لكن أؤكد هنا على خلفية إشارة ولي العهد بفضل المرابطة.

أذكر بمسألة مهمة وهي بشارة لجنودنا، بأن فضل رباطكم على الثغور هو أفضل من المجاورة في الحرمين باتفاق أئمة المسلمين وأهل المذاهب الأربعة، وقد نص على ذلك جمع من المحققين من أهل العلم، وأي فضل يوازي فضل الرباط على ثغور الوطن؟، ذلك أنه كما صح الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم «رباط يوم في سبيل الله خير من الدنيا وما عليها»، ولهذا قال أبو هريرة «لأن أرابط ليلة في سبيل الله أحب إلي من أن أقوم ليلة القدر عند الحجر الأسود»، وبعد، فأختم هذا المقال بأمرين مهمين:

أولهما: أن هذه الزيارة الكريمة من ولي العهد حفظه الله لأهل الثغور من جنودنا الأبطال تؤكد أن رجال أمننا المرابطين في عين القيادة كما هم في عين الشعب، وأن كل محاولات التشغيب التي تأتي عبر هذه المعرفات المجهولة أو القنوات المأجورة لتصور غير ذلك تهدف في المقام الأول إلى الفتّ من عزيمتهم وإنهاك نفوسهم، وزرع الإحباط في أرواحهم، وود العدو لو ظفر منهم بواحدة منها، وأنّى له ذلك بإذن الله ما دامت عين الله ترعاهم أولا ثم عين قيادتهم تحس بهم وتهتم لشأنهم.

وما هذه الزيارة الميمونة في يوم العيد إلا شاهد ومثال حي على ما نعنيه هنا، وتضحيات، هؤلاء الأبطال وكفاحهم - التي بتنا نرويها قصصا ملهمة لأولادنا - هي أفضل رد على هذه المحاولات البائسة والغادرة.

ثانيهما: رسالة تذكير لنا نحن -الآمنين في بيوتنا ومساجدنا وأسواقنا - بحقوق حراس الثغور، لا يجوز أن تكون مهمة بعضنا الخوض في تحليلات هذه الحرب وتداعياتها على اقتصادنا ومصالحنا، فهذا أمر لا يعنينا، وقد كفينا أمره، فنحن خلف قيادة حكيمة نثق أنها على وعي شديد بكل ذلك، ولديها من الإدراك والخبرة ما لا نستطيع الإحاطة به، ولا نعرف قيادة في هذا العالم تحرص على حماية شعبها وتحنو عليه وتسعى في رعاية مصالحه كقيادة بلادنا ولله الحمد، بداية من مؤسس هذه البلاد رحمه الله حتى يوم الناس هذا.

أقول هذا الكلام حتى لا ننشغل بهذا الجدل الذي لا طائل خلفه عن المسؤولية الشرعية والوطنية تجاه هؤلاء الجنود، فمن كان مجاوراً لأسرة أحد هؤلاء الأبطال أو يعرف دارهم فليخلفهم في أهاليهم خيراً، من تفقد حاجاتهم ورعاية مصالحهم، ودفع عنهم ما أهمّهم، وتفريج كربهم فهذا من أعظم ألوان الجهاد في سبيل الله، وإذا كانت القيادة حرسها الله لم تقصر مع هؤلاء الأبطال فهذا لا يعفينا كشعب من القيام بالمسؤولية الشرعية والوطنية تجاههم، كل فيما يستطيع، و(من جهز غازيا فقد غزا ومن خلفه في أهله بخير فقد غزا) ومن قصر جهده وماله عن كل هذا فلا يقصر عن دعوة صالحة يرفعها في ظهر الغيب لهؤلاء الرجال، بأن ينصرهم الله ويثبت أقدامهم ويملأ قلوبهم سكينة وطمأنينة ويفرغ عليهم صبرا. والله معهم ولن يترهم أعمالهم.

* عميد كلية الشريعة في القصيم