على الرغم من الانتقادات الشديدة التي واجهت المسلسل السعودي الدرامي «العاصوف»، في جزئيه «الأول والثاني»، والذي تدور أحداثه بين فترة عامي 1390 و1395، إلا أنه حقق نسبة مشاهدات عالية جدا في رمضان الفضيل، وذلك لمحاكاته واقع الأسرة السعودية في فترة السبعينات من القرن الماضي، إلى جانب المتغيرات والمنعطفات الكثيرة التي عاشتها المنطقتان «العربية والسعودية» في جميع الشؤون الاجتماعية والسياسية والاقتصادية.

وكذلك أظهر المسلسل دور التيارات الإسلامية المتشددة، ودور رجال الدين، الذي كان قويا ومؤثرا في تلك الفترة، ومن أهم الانتقادات التي واجهت المسلسل أنه عرض أحداثا تسيء إلى المجتمع السعودي المحافظ، وأن ما تناوله المسلسل من لقطات ليست موجودة في مجتمعنا، كمثل «الخيانة والعلاقات غير الشرعية»، ويعدّ هذا تزييفا للوقائع المجتمعية السعودية!، وأعتقد أن الذين عاشوا تلك الفترة على حقيقتها لن يعارضوا ما تم تناوله في العاصوف لأننا -كمثل المجتمعات الأخرى- لا نحمل الملائكية وحدنا، خاصة في شأن الجانب الاجتماعي، إذ كانت العلاقات الاجتماعية والأسرية دون حواجز، سواء داخل البيوت الطينية أوخارجها بين جيران الحي الواحد.

فكانت العلاقات بين الناس مبنية على الثقة والمحبة والمواجهة بحب، وواضحة لأي خطأ قد يصدر، وتتم معالجته وستره عاجلا بين أفراد الأسرة الواحدة، ولا يضطرون حينها إلى اللجوء لمراكز الشرطة أو إمارة المنطقة أو المحاكم، ليأخذوا حقّهم من الشخص الذي أساء إليهم وإلى سمعتهم.

فكان نهجهم ومبدؤهم الستر، اتباعا لسنّة نبينا الكريم «من ستر مسلما ستره الله في الدنيا والآخرة»، وهذا ما تم تناوله في جزء العاصوف2، «عندما تدخل خالد عم هيلة في الستر عليها، والسعي إلى تزويجها بمن تحبّ، بدلا من افتضاح أمرها وإخبار والدها، واللجوء إلى الشرطة لمعاقبة الشاب الذي خرجت معه بسيارته في لحظة طيش، كما طالب به عمها الثاني محسن».

فهذا الحدث يقدم رسالة مهمة جدا لأولياء الأمور والأقارب، وكل من اكتشف أمرا يمسّ سمعة الأسرة «وبالإمكان ستره قبل تطوره»، أن يتأنّى ويكون حكيما في معالجة مثل هذه القضايا الحساسة، وأن يضبطها ويعالجها في دائرة ضيقة جدا، انطلاقا من مبدأ الستر وليس التشهير والمعاقبة وردّ الاعتبار!، إذ إن ردّ الاعتبار في بعض القضايا الأخلاقية يتطور لما هو أسوأ من ذلك، فتخسر الأسرة راحتها وسمعتها واستقرارها النفسي!.

العاصوف تناول قضيتين مهمتين اجتماعيا «ولادة طفل غير شرعي لكن الأسرة احتضنته وسترت عليه، وتهور إحدى بناتها في علاقتها الهاتفية وسترت عليها بالزواج»، دون فضائح تسيء إلى سمعة الأسرة ومكانتها بين أقاربها وجيرانها!.

لذلك، أتمنى في وقتنا الحاضر الذي تأزمت فيه العلاقات الاجتماعية والأسرية «فالجار لا يعرف جاره، والقريب لا يعلم حال قريبه، والأبناء لا يتحملون الآباء، والآباء لا يدركون قيمة أثر الستر والرحمة ببناتهم لاحقا!، بل يسعون جاهدين إلى مطاردتهن في مراكز الشرطة والمحاكم، لردّ الاعتبار، كما يزعمون!، فانتشرت في مجتمعنا دور المسنين، ودور الأحداث، ودور الأيتام، ودور الحماية»، أتمنى أن تتم الاستفادة مما تمت معالجته في العاصوف من أحداث طارئة، تواجه كثيرا من الأسر في مرحلة من مراحل نمو الأبناء، وأن يسعون جاهدين إلى تلبية احتياجاتهم البسيطة التي تعدّ حقا من حقوقهم، والعمل على جمع شملهم بمن يحبون بدلا من التشهير بهم وبأمهاتهم في المحاكم، من باب التحدي وردّ الاعتبار، للأسف الشديد!.

التربية السيئة والمعاملة القاسية لن تُخلّفا إلا النار والرماد على الكيان الأُسَري والمجتمعي، فاحتسبوا الأجر اقتداء بقول رسولنا الكريم «كل معروف صدقة».

@moudyzahrani