إيران تمارس إجرامها على مرأى ومسمع من العالم، والموقف الأممي تجاه تجاوزاتها كان يتجه دائما لممارسة بعض الضغوط الاقتصادية والدبلوماسية عليها، والتي لم تتوقف معها من تطوير قواها العسكرية أو حشد وكلائها بالتخريب في المنطقة من الميليشيات والأحزاب والفيالق العسكرية، كحزب الله في لبنان، وميليشيا الحوثي في اليمن، وفيلق القدس في العراق، ولواء الفاطميون في سورية.
وحتى يستطيع العالم أن يفهم مدى أهمية ردع إيران وأنشطتها المعادية في المنطقة -وهذه هي الرسالة التي أراد الملك سلمان توجيهها خلال قمم مكة- فإن عليه أن يفهم الأسباب التي تدفع إيران إلى هذا التخريب المتجاوز المستمر، والذي يعود إلى أسباب أيديولوجية قامت عليها الثورة الخمينية الإيرانية منذ قرابة أربعين عاما، وصاغت بناءً عليها دستورها وسياساتها الخارجية قبل الداخلية، والمرتكز على بسط نفوذها السياسي خارج حدودها المعتبرة، وتستخدم لذلك أيديولوجيا دينية لها شعار نصرة المستضعفين حول العالم، ونشر التشريع الإسلامي لإقامة قواعد الأمة الواحدة تحت لواء الولي الفقيه المنتظر.
نشر إيران هذه الأيديولوجية في المنطقة، ودعمها بالتخطيط والسلاح، يعترف به بعض القادة الإيرانيين علنا، ويصرّحون به غير مكترثين بما قد تؤول إليه الأمور. وجاء آخر هذه التصريحات في اعتراف نائب قائد الحرس الثوري علي فدوي، بدعم إيران لميليشيا الحوثي في اليمن، و«أنهم لا يملكون القدرة على صنع صواريخ باليستية أو طائرات درون، لذا نزودهم بها»، لأنهم على حد قوله «محاصرون لا يمكننا العمل معهم بشكل مريح، ويدنا هناك ليست مطلقة، ونحن وفقا لما جاء في القرآن الكريم، نقدم لهم المساعدة قدر الإمكان».
هذه المساعدات التي تقدمها إيران للحوثيين لم تكن على شكل مواد أولية كالأغذية والدواء، أو أي مساعدات إنسانية أخرى، بل على هيئة صواريخ وطائرات مسيّرة، ودعم استخباراتي وعسكري، يستهدف الحكومة الشرعية في اليمن وقوات التحالف وسيادة الأراضي السعودية.
اعتراف علي فدوي جاء خلال عقد قمم مكة المكرمة، التي كان من أهم أسباب عقد الطارئ منها مواجهة السلوك الإيراني العدواني في المنطقة، وإدانة العمليات الحوثية الإرهابية داخل المملكة، وإدانة إطلاق الصواريخ الإيرانية الباليستية في المياه الإقليمية الإماراتية.
الموقف الموحد لقادة الدول الخليجية والعربية والإسلامية، المتفقة على البيانات الختامية لقمم مكة، تنقل المسؤولية من هذا النطاق «الخليجي - العربي - الإسلامي» إلى النطاق العالمي، وننتظر أن يكون هناك موقف أممي يصاحبه تحرك مناسب لوقف هذا التجاوز الإيراني المستمر، والمفترض أن يواكبه مزيد من العقوبات السياسية والاقتصادية على طهران، ومساعدة الداخل الإيراني المعارض لهذه الثورة الخمينية المعادية لكل ما هو سلمي، وألا تختبر إيران صبر المملكة وحلم قادتها الذين يقودون دفة السلام في المنطقة.