تتنوع انفعالات الإنسان حسب تنوع المواقف التي يتعرض لها، والأفكار التي تشغل باله، والأحداث التي يعايشها.

أما وقوف أحدهم جامدا دون ردود أفعال تجاه ما يراه ويسمعه، فهو ضرب من البلادة وانعدام الإحساس، وبهذا يكون قد شابه الجمادات في عدم شعورها بشيء، فنحن هنا لسنا أمام إنسان، بل في مقابل حائط لا ينطق، أو صخرة لا تبصر، أو طاولة لا تسمع، وكلما شاهدت شخصا بهذه الأوصاف، اِحمَد الله الذي وهبك نعمة الإحساس بحالك، إذ تدرك نقاط قوّتك وضعفك، وتزداد من الخير، وتقترب من أهله، وتبتعد عن الشر، وتفرّ منه ومن أهله، ثم تمد عينيك إلى المحتاجين، وتشعر بمعاناتهم وألمهم.

ثمة أمر خطير على العلاقات الإنسانية ومدمر للصحة، فيما يخص الحديث عن الغضب، ذلك أن نسبة لا يستهان بها من أبناء المجتمع وبناته يمارسون ما يمكن وصفه بالغضب الداخلي، خلال كتمان مظاهر الغضب على ملامحهم والاختفاء وراء الصمت، ويظنون أنهم بهذا الصنيع الخاطئ قد سجلوا احتجاجهم على شخص أو موقف ما، وهم في واقع الأمر يكتمون غضبا سينفجر ذات يوم كبركان ثائر لأتفه سبب، ويمارسون صمتا سيتحول في موقف قادم إلى شلال هادر من البذاءة القولية، وسينعكس كتمانهم للغضب وإخفاء مظاهره عليهم إلى آثار بالغة السوء على صحتهم النفسية والعقلية، ويجلب لهم مفاجآت غير سارة، تُلحق بهم ضررا كبيرا.

في الهدي النبوي، أن رجُلاً قال للنبي، صلى الله عليه وسلم، "أوصني، قال: لا تغضب، فرَدَّدَ مِراراً، قال: لا تغضب».

لقد جاء هذا الرجُل الحريص على مقابلة نبيه -صلى الله عليه وسلم وسؤاله- عن وصية تجمع له خيراً عظيماً، فأوصاه نبي الرحمة والهدى وصية في غاية الأهمية والفائدة، نهاه النبي الكريم عليه الصلاة والسلام عن الغضب، ذلك أن الغضب جامِع لشرور كثيرة ودافع إليها، وهو نوع من فقدان العقل والتمييز في لحظة انفعالية ضارة، ربما قادت صاحبها إلى خسارة فادحة، لا يمكن تعويضها أو علاج آثارها، والحل في الاستعاذة بالله تعالى من الشيطان، ثم مغادرة المكان موضع الغضب، حتى يعود إلى المرء عقله وهدوء أعصابه.

اختزان الغضب لا ينفع صاحبه، بل على العكس تماما، يسبب له أضرارا لا حصر لها، والفعل الصحيح بادئ الأمر أن نبذل الجهد في اجتناب الغضب، ويتحقق هذا بتدريب النفس على التأني والحكمة حيال المواقف التي قد تخلق فينا الغضب، واصطحاب الرحمة لا التسرع والبطش، خاصة مع من هم أحوج إلى الرفق من أفراد العائلة والأقارب والأصحاب والعمال، وغيرهم.

ثم يجيء في المقام الثاني التعوّد على استيضاح الأمر قبل إبداء ردة فعل مبالغ فيها، والوقوع في نيران غضب لا مبرر لها، أو يصعب إطفاؤها، وهنا عودة للتأكيد بأن الإنسان يستطيع السيطرة على غضبه، بمعرفة طبعه الحاد وأخلاقه الشرسة، ثم يستعين بالله ويسعى إلى تهذيب تلك الطباع والأخلاق.

يا رفيق الحرف، إن التخلص من صفة الغضب هدف عظيم يعود على صحتك وشخصيتك بأجمل المنفعة، ستنبذ عنك ما يضر صحتك، ويجعل منك شخصا مهتزا أمام الناس، وربما عرف عنك أحد المشاغبين سرعة غضبك، فسعى إلى استفزازك في مجلس عام، واندفعت معه محققا له غايته وهي إحراجك وتقليل شأنك.

وإياك أن تكون الغاضب الصامت، فتغضب مع نفسك، دون أن تشرح للطرف الآخر ما أغضبك منه، وإن كان الغضب كله شرًّا، فإن الغضب مع عدم إبداء السبب شر مضاعف. احرص على الوضوح مع من تظن أنه سبب غضبك، لتنال حقك إن كنت صاحب حق، وإلا سينطبق عليك المثل: من يزعَل بلاش يرضى بلاش.