تاريخ الثقافة الإسلامية تاريخ عظيم، ولذلك فلا يسعني الآن أن أضع أرقاما أحدد بها -ولو على سبيل التقريب- نقطة النهاية التي وقف دونها ذلك التاريخ المشرق. ولكن على العموم، أستطيع أن أقول إن كل يوم مضى كان ما قبله أروع منه. وعندما نستشهد بهذا الجيل، سنجد أن أوله خير مما جاء بعده، فلقد كان فيه -عند مطلع الجيل- أفذاذ انقرضوا بالتدريج، فإذا مكانهم ما يزال مملوءا بذكراهم وحدها، وهل تنفع الذكرى في سبيل إنهاض الأمم والشعوب من كبواتها الطويلة؟.

وكل شيء في أيامنا ينادي بإيجاد علماء، وإذا أردنا أن نختصر ما هناك، فسنقول: إننا نريد أن نسمع لهم صوتا في سبيل إعلاء كلمة الدين، ثم في سبيل تبصرة الناس بأمور دنياهم على نحو يتفق مع يسر الدين، وعدم زلزلة شيء من مبادئه أمام هذا التيار المادي الجارف. ونريد علماء يجمعون ما تفرّع من أمرنا، وأمر هذه الأحكام التي يجب أن توحد -على الأقل- في مجال المعاملات بين الناس. ونريد علماء لا يستحون أن يقولوا كلمة الحق حيث يكونون. ونريد علماء لا يبيع أحدهم ضميره لسلطة أو لدنيا يصيبها.

باختصار، نريد علماء في كل بلد من هذه البلاد الإسلامية يجمعون بين القديم والجديد، وثقافة الأمس، وثقافة اليوم، حتى يكون لهم من كل ذلك كيان قوي لا يتزعزع أمام هذه الأراجيف التي يضطرب بل يشقى بها العالم اليوم.

لقد بحت أصوات من نادى وبشّر بأن حضارتنا روحية، فهل تقوم دعائم حضارة كهذه إلا على أكتاف في مقدمتها أكتاف العلماء؟.

قد يقول أحدهم: إن أصواتنا تضيع، وأين نحن من مصدر السلطة، ومن فعاليتها القوية؟ ولكنني أقول، إنكم أهملتم واجبكم فأهملتكم الدنيا. ولو وضعتم أنفسكم حيث كان يجب أن تضعوها، لما كان للدنيا أن تتمرد على سلطة في يديها سيف العلم والحق.

ونحن -من كنا في بلادنا مهد العلم والثقافة الإسلامية التليدة- أين حظنا اليوم من هذا المجد؟

إن في بلادنا من العلماء من أتساءل ويتساءل كثيرون عما قدموه في مجال التثقيف والإرشاد، بلباقة العلماء وبقدرتهم على التأثير في سواد الناس.

ثم ألم يكن بلدنا أول بلد يجب أن ينتج وأن يخرّج علماء ليؤدوا رسالة العلم ويقوموا بواجبهم هناك وهنا وفي كل مكان؟

أين هؤلاء؟

ولو كنت عالما لاستطعت أن أسهم بما يجب أن أسهم به في سبيل خدمة العلم، فليقل أولئك الذين «يخشى الله من عباده العلماء» ما يجب أن يقولوه، وليفعلوا ما يجب أن يفعلوه. فهم المسؤولون.

* أضواء على الطريق