ما الفرق بين «الصلاح» الديني و«الإصلاح» السياسي؟.

عندما جاء عمر بن عبدالعزيز، فعالج الفساد المالي حتى داخل بيته، فقد حقق، وفق المعنى القديم آنذاك، نهاية القرن الأول الهجري، صلاحا تبرأ به ذمته الدينية على مستواه الشخصي، جعل المؤرخين يعدّونه علامة فارقة في تاريخ خلفاء الدولة الأموية، ولكنه بمنطق العصر الحديث في المشاركة الشعبية السياسية، لم يقدم شيئا للإصلاح السياسي، وهذا صحيح، فكلنا يعرف أن ما بناه عمر بن عبدالعزيز، بذمته وتقواه الدينية، انتهى بمجرد موته، لكنه منطق القرون الوسطى، فكيف نفرض معيار الإصلاح السياسي الحديث على رجل عاش قبل 13 قرنا.

القفزة الحداثية التي حصلت في العصر الحديث بالنسبة للوطن العربي، هي في سقوط ما يسمى «الخليفة العثماني»، والتي كان لهذه الخلافة معنى وحدوي فارغ من القيمة الحضارية تماما، فحتى العرق التركي الذي خرجت من رحمه قيادة هذه الخلافة، أنشأ جمعيته الخاصة للتخلص من هذا العبء والتحرر منه، والمعالجة المتأخرة التي حاولها العثمانيون لتلافي ذلك جاءت متأخرة، وأقصد بذلك «إنشاء المدارس الرشدية، ومجلس المبعوثان».


«الخلافة العثمانية» لا علاقة لها بأي مفهوم إنساني ينتمي إلى «العدل والمساواة والحرية والكرامة»، وفق مفهوم العصر الحديث، رغم محاولاتها التمثيل بذلك، فأسواق النخاسة منتشرة، ومصطلح «الحريم» كمكان مخصص للجواري والنساء لا يدخله إلا الخدم من الخصيان، قد يكون بدأ على يد هؤلاء «الخلفاء»، وحافظ عليه البعض كمصطلح الحريم الذي ما زال متداولا في بعض المناطق العربية، لوصف مجموعة النساء، تأثرا بالسلاجقة الأتراك «لا يوجد في قاموس العرب القديم كلمة حريم كوصف لمجموعة النساء تحديدا».

«الخلافة العثمانية» هي امتداد مجرد للبنية الإمبراطورية الممتدة من أيام قيصر الروم وكسرى فارس، والتي التقفها العرب في بداية توسعهم، ليحققوا عبر هذا المعنى «الإمبراطوري» الصرف، معناهم الخاص الذي تقاطع مع معطيات الروم وفارس في قداسة الملوك والأباطرة، لنرى في كتب الفقه المحاكاة في شرط السلالة القرشية كشرط عام أو فاطمي كشرط خاص، متناسين الدلالة البنيوية في «النبوة» كمعنى أنطولوجي، والتي تتكئ على شرط إنساني فوق تاريخي يرفع من كرامة الإنسان، بغض النظر عن عرقه ولونه «إن أكرمكم عند الله أتقاكم»، وإلا أصبحت كسروية قرشية حتى ولو تسمّت باسم الخلافة أو الإمامة، فكيف والشرط القرشي ليس متوفرا في الإمبراطورية التركية التي لا تذكر منها الأعراق الأخرى حتى العربية سوى «الخازوق، وحرق الحصون والقرى»، فكل بناية أوجدوها كانت للهيمنة لا للنهضة.

أعترف أني أصاب بالقرف عند تبديد كلمات المقال المحدودة في تفكيك «معنى الخلافة» الذي يحنّ إليه البعض في سلالة قرشية موهومة رأيناها في «البغدادي السني!!!، وعلي خامنئي الشيعي!!؟!؟!!»، بل يحنّ إليه البعض حتى ولو كان عبر بروباجندا إعلامية لبلد خشن في العلمانية مثل تركيا «إردوغان»، متناسين كرامتهم الإنسانية التي هي محك العدل والرفاة والحرية، فحرية بلا كرامة انحلال، وضوابط شرعية بلا كرامة ليست إلا استعباد الكهنة للناس، «إحدى فرق اليهود في إسرائيل لا بد أن يعطيهم رجل الدين مشهدا بالأهلية الشرعية لاستخدام الجوال، ومن لا يأخذ هذا الإذن الشرعي يحرم عليه استخدامه في طائفتهم». بعض رجال الدين في الإسلام تجاوزوا هذه الفرقة اليهودية إلى إصدار فتوى التحريم العامة لبعض المخترعات الحديثة، دون استثناء، أو منح إذن خاص، ولهذا كانت البرلمانات هي مصدر التشريعات التي يتفق عليها الشعب كضابط له. فالراشدون هم أوصياء على نفوسهم وفق ثقافتهم عموما «الاجتماعية والدينية والاقتصادية».

لا يمكن أن نحتاج إلى كل هذه المعطيات الآنفة الذكر، في تفكيك الوهم الإسلاموي، لمعنى الحضارة والتطور عند الدول، لو أدرك الموهومون بالخرافة المستحيلة المسماة «دولة الخلافة»، معنى الأرقام التالية الصادرة عن اليونيسيف في 1995 والتي نقلها أحد الأساتذة السويديين، إذ يقول: كان عدد وفيات الأطفال في السعودية عام 1960، هو 242 طفلا من كل ألف طفل لا يستطيعون بلوغ سن الخامسة من العمر، وفي 1995 انخفض عدد الوفيات ليصبح 35 طفلا فقط. يقول «هانس روسلينج السويدي» ما نصه: «من 242 إلى 35 خلال 33 سنة، هذا أسرع بكثير مما في السويد، استغرق الأمر منا 77 سنة لتحقيق التحسن نفسه».

هذا نموذج فقط عن الرعاية الصحية، والأمر نفسه على مستوى محو الأمية و«لكن» هل هذا يكفي؟ قطعا لا، ومن حق هذا الشعب أكثر، خصوصا أن الرمز السياسي الثابت لهذا الوطن «جلالة الملك المعظم عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود»، قد استبدل البيتين المدونين على مدخل قاعة استقبال ضيوفه:

«لسنا وإن كرمت أوائلنا، يوما على الأنساب نتكل.... نبني كما كانت أوائلنا، تبني ونفعل مثلما فعلوا». فوجه البنَّاء إلى تعديلها: نبني كما كانت أوائلنا تبني ونفعل «فوق» ما فعلوا، وقد نهج أبنائه الملوك من بعده، مما يشعرنا -كشعب- بالفخر والاعتزاز، ولنا في كلمة رمزنا السياسي ما يجعلنا نأمل في المزيد والمفارق، فكلمة «فوق» ما فعلوا لا تشبه أبدا «مثل» ما فعلوا، ولا يستطيعها سوى الملوك الاستثنائيين، خلال شعوبهم الحرة الكريمة.

أما الشعوب المستعبدة بالاستبداد، فهم بين ذليلٍ بالخضوع، أو آبقٍ بالعصيان، نهضتهم دعاية، وإنجازهم سراب.