الفهم الدقيق والعميق ضد الخبط والخلط وهو ـ الفهم ـ مطلوب جدا، وبالذات عند تناول المواضيع المتعلقة بالأمور الدينية خصوصا عند الرغبة في إيصال النصوص الدينية، وتوصيلها إلى الناس كافة.

الحق ـ سبحانه وتعالى ـ يقول في محكم تبيانه: {سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيد}، ويقول الإمام ابن كثير في الجزء الخامس من تفسيره المشهور، المسمى (تفسير القرآن العظيم) عن معنى من معاني هذه الآية: «سنظهر لهم دلالاتنا وحججنا على كون القرآن حقا منزلا من عندالله ـ عز وجل ـ على رسوله - صلى الله عليه وسلم -»، ومن كلامه ـ رحمه الله تعالى ـ نفهم بوضوح وجوب بذل الجهد في قراءة كلام الله ـ سبحانه وتعالى ـ، وأحاديث رسوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ بعقول واعية وقادرة على استنباط ما فيهما من حكم وأسرار، وأن نبحث فيهما عما يمكن أن نصلح به معاشنا، وأن نقوم بدراستهما دراسة مرتبطة ومشتبكة بالواقع، ومتداخلة مع كل شيء في الحياة.

يخطئ كثيرا من يحاول «حصر» الدين على الجوامع والمساجد فقط؛ لأن الدين الحق ينبغي أن تتشابك قيمه وتتغلغل في كل ما يخدم مصالح الناس، ومن هذه القيم التي لا يمكن تصور الانعزال عنها «الرحمة، الحب، إحقاق الحق، ترك الفساد»، وغير ذلك من كل ما يساهم في تقدم العباد، وازدهار البلاد، وكل من يحاول حصر الدين بطريقة أو أخرى، لا شك أنه لم يفهم قيمة إقامة العدل بين الناس، ونشر الحب بينهم، وتعليمهم فضيلة الإيثار، والإتقان، وغير ذلك من الفضائل والمكارم التي ينبغي أن تتطور من مجرد الحديث عنها إلى مزاولتها مزاولة حقيقية صادقة.

لا يمكن تصور نجاح الحديث عن شيء دون مزاولته، وبنفس هذا المستوى لا يمكن تقبل الحديث عن الدين دون التخصص فيه، ومحاولات الكلام في كل شيء أفسد على الناس كل شيء، وجعل حياتهم مشوشة وعقولهم محتارة، وأتفق تماما مع القائلين إن الدين ليس حكرا على أحد، وإن الدين رسالة جماعية، وبنفس المستوى لا يمكن أن أتصور أن مسائل الدين لا تحتاج إلى «تخصص»، أو أن كلا منا يصح منه أن يمارس الدين ضمن ما يعرفه من معارف، وصحيح أن المسلمين متدينون أو شرعيون ولكن غير صحيح أن علوم الشريعة كباقي العلوم، وكون بعض العلوم أو المفاهيم الدينية عامة يحتاجها كل الناس، وأن الدين للجميع لا يعني أن تكون كل العلوم الدينية كذلك، وأن كل الناس متخصصون. وأختم بهمسة في آذان الشرعيين هي أن تجعلوا خطاباتكم الدينية خطابات مقنعة لمن حولكم، وفي نفس الوقت محترمة لعقولهم.

@ABFadaaq