في كل صباح، مجموعة من المعلومات ومؤشرات الأداء الاقتصادي لأمريكا من نسب البطالة ونسب الفقر ونسب التضخم والمديونية وعدد الوظائف الجديدة وغيرها من مؤشرات الأداء الرئيسية، كلها تعرض على أجندة عمل الرئيس الأمريكي ليبدأ بها يوم عمله، فالرئيس أوباما يتابع بشكل دوري مشكلة البطالة في أمريكا وخصوصا عند تفاقم مشكلة البطالة التي وصلت في وقت ما إلى (9,2%) أو أكثر من (12) مليون عاطل عن العمل، ومع جهود الحكومة تم تخفيضها، حتى وصلت في الوقت الحالي إلى ما نسبته (8,3%) تقريبا، وهو انخفاض يعني الكثير للاقتصاد الأمريكي، حيث إن الهدف هو تخفيض النسبة إلى أقل من (5%) أو توظيف أكثر من (6) ملايين أمريكي عاطل عن العمل. وما كان للرئيس الأمريكي والإدارة الأمريكية أن تقوم بعملها على أكمل وجه لولا وجود منظومة معلوماتية متكاملة، دقيقة، وفورية تساعد في اتخاذ القرارات، ومتابعتها وكذلك تقييم نتائج القرارات وتصحيحها إذا لزم الأمر.

من أساسيات ومتطلبات علم اتخاذ القرارات الاعتماد على معلومات متكاملة، دقيقة، فورية وصحيحة، فبدونها يعتبر القرار خاطئا، أو بمعنى آخر، معلومة خطأ أو غير كاملة أو متأخرة تؤدي إلى قرار خطأ، وكلما زادت أهمية القرار وارتباطه بمستقبل الوطن كلما زاد ضرر اتخاذ القرار الخطأ، فقرارات ومبادرات سوق العمل المرتبطة بالسعودة مثل نطاقات وحافز وغيرهما تعد خاطئة إذا كانت مبنية على معلومات خاطئة أو ناقصة ذات علاقة بالبطالة بين أبناء وبنات البلد، وقرارات الاستمرار في استقدام العمالة الأجنبية وعدم تخفيضها تعد خاطئة إذا كانت مبنية على معلومات ناقصة أو خاطئة ذات علاقة بأعداد ونسب العمالة الأجنبية في المملكة المسجلة وغير المسجلة وايضا نسب هذه العمالة للعمالة السعودية وكذلك سكان المملكة، وكذلك قرارات تحفيز وتشجيع الاستثمار الأجنبي تعتبر خاطئة إذا كانت مبنية على معلومات ناقصة أو خاطئة ذات علاقة بممارسات ونوعية الاستثمارات الأجنبية التي تم جلبها خلال السنوات القليلة الأخيرة.

في المملكة العربية السعودية، ومنذ تأسيسها على يد الملك الرائد عبدالعزيز بن عبدالرحمن رحمه الله وعبر مراحل الدولة المختلفة، عملت القيادة على إنشاء وتفعيل مؤسسات الدولة في مجالات مختلفة، ومن أهمها تلك العلاقة بتنمية الإنسان وإدارة شؤونه التعليمية والصحية وتوفير الخدمات الأساسية من كهرباء واتصالات ومياه لتوفير سبل حياة كريمة. كما عملت الدولة أيضا على إنشاء مؤسسات حكومية توفر وتتعامل مع المعلومات ذات العلاقة بالإنسان والإسكان والخدمات وتقدمها لقيادة الدولة حفظها الله وللجهات الحكومية الأخرى للمساعدة في قرارات التخطيط والتنفيذ والمتابعة والمراقبة والمحاسبة.

وتتعدد الجهات الحكومية التي تعالج البيانات المختلفة وتوفر المعلومات بأنواعها الاستراتيجية والتشغيلية، من ضمنها مركز المعلومات الوطني التابع لوزارة الداخلية والتي تتعامل مع بيانات فعلية ودقيقة تخص البيانات الأساسية للمواطن والمقيم وعائلاتهم وتنقلاتهم من وإلى المملكة، ووكالة الإحصاءات العامة التابعة لوزارة الاقتصاد والتخطيط والتي تقوم بمسوحات دورية من تعداد سكاني وسكني، ومؤسسة النقد العربي السعودي والتي تراقب حركة الإيداعات البنكية وحركة النقود من وإلى المملكة من خلال ارتباط جميع البنوك السعودية والأجنبية العاملة بالمملكة بها، ومؤسسة التأمينات الاجتماعية فيما يخص تحديد هويات العاملين بالقطاع الخاص من مواطنين وأجانب المؤمن عليهم من قبل شركاتهم ومؤسساتهم بموجب نظام العمل والعمال، ووزارة التعليم العالي فيما يخص تحديد هويات الطلبة والطالبات الملتحقين في الجامعات السعودية، ووزارة الخدمة المدنية فيما يخص بيانات وهويات موظفي ومظفات الدولة المدنيين، ووزارة التجارة فما يخص تحديد هويات ملاك ومالكات المؤسسات والشركات التجارية والصناعية، ووزارة العدل فيما يخص تحديد مواقع العقار من أراض ومبان وممتلكات أخرى وتحديد هويات الملاك والمستأجرين، ووزارة العمل فيما يخص بيانات العمالة الأجنبية والمحلية.

ومن كل هذه الجهات المعلوماتية، يبرز مركز المعلومات الوطني بشكل استثنائي واستراتيجي. فالمعلومات المتوافرة لديه تتصف بدقة وشمولية البيانات المتاحة، وفورية وتوقيت المعلومات، بمعنى أنها متاحة في الوقت المناسب لاتخاذ القرار المناسب. فبيانات مركز المعلومات الوطني توفر بيانات المواطن والمقيم من خلال نقاط تجميع البيانات (من المصدر) من خلال نقاط أجهزة الجوازات في المطارات والموانئ الدولية فيما يخص حركة المسافرين السعوديين والأجانب وكذلك الحجاج والمعتمرين، ومن المستشفيات فيما يخص إضافة المواليد. وفي كل هذه البيانات تبرز خاصية الدقة والصحة والكمال والشمول، وهي خصائص معلوماتية مهمة وأساسية وضرورية تحدد على أساسها مدى فاعلية وجودة نظام المعلومات تحت التقييم.

ويمكن للدولة حفظها الله بقيادة الملك عبدالله بن عبدالعزيز حفظه الله وولي عهده الأمين وزير الداخلية الأمير نايف بن عبدالعزيز حفظه الله أن تتبنى وتعتمد على تقارير تنفيذية (Executive Summary) مدنية ذات علاقة بالتعداد السكاني وأعداد المواطنين وأعمارهم وكذلك المقيمين وبالتالي تحديد نسب البطالة الحقيقة وليست التقديرية وأعداد ونسب الأجانب، إضافة إلى حركة التحويلات المالية من وإلى داخل المملكة اعتمادا على بيانات دقيقة وصحيحة وشاملة وفورية ولا يمكن الحصول عليها إلا من مصادر ذات ثقة ومصداقية عالية، مصادر لا تتوفر حاليا إلا لدى جهات محدودة على رأسها مركز المعلومات الوطني، مما يتطلب ضرورة الاستثمار والتركيز على مثل هذا المركز ومقارنة أي معلومات تعرض للقيادة بالمعلومات المتاحة لدى المركز، ومرة أخرى للحصول على قرار صحيح يجب الحصول على معلومة صحيحة وكاملة وفورية، وهي ما تتوفر فقط لدى مركز المعلومات الوطني.