تابع الجميع مقدار الحفاوة التي قوبل بها الأمير الشاب، وحرص قادة كل الدول الكبرى على الالتقاء به، وبحث السبل الكفيلة بتطوير علاقة بلادهم بالمملكة، والرغبة في تعزيز التعاون الثنائي معها على أساس تحقيق المصالح المشتركة.
وهذا الحرص لم يكن بسبب ضخامة الاقتصاد السعودي، فمعلوم أن المملكة ليست صاحبة الاقتصاد الأكبر حجما وسط كل تلك الدول، بل يعزى السبب في ذلك الاهتمام إلى أنها من أكبر الاقتصادات الناشئة، وصاحبة الفرص الأكثر أهمية، بسبب تزايد الرغبة في تعزيز اقتصادها، وتحويله إلى اقتصاد المعرفة المرتبط بكل اقتصادات العالم، والرغبة الجارفة في تطوير المدخلات الاقتصادية، وتحديث كل أوجه الحياة في المملكة، سياسيا واجتماعيا واقتصاديا، على نحو ما ورد في رؤية المملكة 2030، التي يتولى الأمير الشاب صاحب الطموح الكبير تنفيذها، تحت رعاية ومتابعة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، بهدف الوصول إلى مرحلة متقدمة من التجديد الكامل والتحديث الشامل.
وتلك الرؤية لفتت أنظار كل قادة العالم برمته عند إعلانها، ونالت إعجابهم، ودفعتهم إلى الإعراب عن رغبتهم المشاركة في تطبيقها، وإنزالها على أرض الواقع، عبر برامج علمية وعملية محددة.
ومع أن بلادنا ظلت -منذ تأسيسها- محطا لأنظار الآخرين ومثارا لإعجابهم، بسبب الأدوار الكبيرة التي قام بها ملوكها السابقون -رحمهم الله- وما بذلوه من جهود كبيرة لتطويرها ونهضتها وإعلاء شأنها، إلا أن المملكة اكتسبت أهمية خاصة وسط دول العالم كافة، بعد الإعلان عن برامج رؤية المملكة 2030، وما حملته من تطلعات طموحة وخيال مرتبط بالواقع، وأحلام قابلة للتنفيذ، ما دامت الإرادة متوافرة، والرغبة موجودة في بلوغ ما تهفو إليه قلوب أهل هذه البلاد المباركة، الذين اعتادوا التطلع إلى الأمام، وبقيت أحلامهم وطموحاتهم بلا سقف ولا يحدها حدود.
لذلك، ظل المسؤولون، سواء على مستوى القيادة أو على مستوى الوزراء، مثار اهتمام وسائل الإعلام، وترحيب القادة والمسؤولين في مختلف دول العالم.
لذلك، ما إن حطّ ولي العهد رحاله في اليابان حتى بدأ برنامجه الحافل بعقد لقاءات مع قادة الدول المشاركة في القمة، وهي لقاءات مثمرة تجاوزت الجوانب البروتوكولية الاحتفالية المتبعة في مثل هذه الحالات، وانتقلت إلى ما يشبه الاجتماعات العملية التي تناولت كيفية تعزيز التعاون المشترك، وتفعيله والارتقاء به إلى آفاق أرحب وأوسع.
كذلك لفتت الكلمة الرصينة المميزة التي ألقاها ولي العهد في القمة انتباه كل القادة، ونالت إعجاب المحللين السياسيين ومن تابعوا ذلك المحفل الكبير، إذ تناولت جوانب غير تقليدية، وعكست اهتمامات العالم المعاصر، من ضرورة ترسيخ مبدأ الحوار الموسع، واعتماد التعايش والتسامح، ومحاربة الإرهاب والتطرف، والاستناد إلى نظام دولي قائم على مبادئ ومصالح مشتركة، وتعزيز الثقة في نظام تجاري متعدد الأطراف، يعتمد جوهريا على إصلاح منظمة التجارة العالمية، وضرورة معالجة القضايا الضريبية للاقتصاد الرقمي، وحتمية تحقيق أكبر عدل من الرخاء، وتمكين المرأة والشباب، باعتبارهما محورين أساسيين لتحقيق النمو المستدام، وتشجيع رواد الأعمال والمنشآت الصغيرة والمتوسطة، لا سيما أن العالم يعيش في زمن الابتكارات العلمية والتقنية غير المسبوقة، وهناك آفاق غير محدودة للنمو خلال الذكاء الاصطناعي. كما لم يغفل ولي العهد في كلمته التطرق إلى قضايا التغيير المناخي، والسعي إلى إيجاد حلول عملية ومجدية لخفض الانبعاثات مع جميع مصادرها، وتخفيف آثارها السلبية، وضمان التوازن البيئي العالي، مشيرا إلى أن تلك القضايا ستكون الأبرز خلال القمة المقبلة لمجموعة العشرين، والتي ستستضيفها المملكة العام المقبل. وتلك الملفات لا تهم الدول الكبرى والمتطورة اقتصاديا فقط، بل تعبر بالأساس عن هموم الشعوب التي تعاني الفقر وانخفاض معدلات الدخل، ومشكلات البيئة ونقص المياه.
لكل ذلك، وبسبب هذه الأفكار المميزة، والطموح الذي لا يحده حدود، والذي لا توجد في قاموس صاحبه مفردة المستحيل، لم يكن غريبا أن يحرص قادة الدول الكبرى على الالتقاء بالأمير الشاب، وأن يجددوا رغبتهم المشاركة في تطبيقها لتصبح واقعا معاشا، وهو ما يؤكد أن بلادنا التي يغلب على سكانها عنصر الشباب الذي يشكل حوالي ثلثي عدد المواطنين السعوديين، وفي ظل وجود قيادة حكيمة، تفعل كل ما بوسعها لإسعاد شعبها، ولا تتوانى عن دعم كل ما يحقق رفاهيته، ويؤدي إلى ارتفاع مستوى معيشة أفراده، فإن هذه البلاد المباركة موعودة بمزيد من النهضة والتطور، ذلك أن نعمة القيادة الرشيدة التي حباها الله هذا البلد الأمين، تفوق في أهميتها النفط وسائر الثروات الأخرى، لأنها إن لم تجد من يستثمرها بالشكل الأمثل، ويسخّرها لخدمة المواطنين، فإنها تبقى بلا فائدة ولا قيمة.