أثبتت الفنانة التشكيلية المغربية كريمة جو عادي التي ترسم لوحاتها مستعينة بأصابع قدمها بعد أن أصاب الشلل يديها أن الإعاقة لا يمكن أن تحول دون الموهبة. كريمة تشارك الآن في مهرجان أصيلة الثقافي، الذي تتواصل فعاليات دورته الثالثة والثلاثين بحضور صفوة من المفكرين والمثقفين والفنانين والإعلاميين العرب والأجانب.

ورغم مشاركة فنانين ذوي مشارب وحساسيات متنوعة في المعارض التشكيلية المقامة بمهرجان أصيلة، إلا أن لوحات كريمة حظيت بإعجاب وإشادة الجمهور والنقاد، بسبب إرادتها وتحديها لإعاقتها وجمالية اللوحات التي ترسمها بقدمها في الشارع وأمام المارة. ويميز أعمال كريمة حس تركيبي يجمع بين الهدوء والواقعية والسعي للتأليف بين مكونات مختلفة من محيطها حيث تبدو النساء والتقاليد ومن الأماكن الأثرية والعادات اليومية حاضرة في غالبية لوحات كريمة.

شهرة واسعة

وسط فضول الزوار وعدسات المصورين تجلس كريمة جو عادي في الشارع لترسم برجلها الممدودة رسومات مختلفة تعبر عن رسائل واضحة ومباشرة عن الطبيعة والحياة، وتظهر كريمة براعة فائقة في التحكم بأصابع رجلها اليمنى وتحريك الريشة بدقة متناهية حيث ترسم بواسطة هذه الأصابع خلال فترة قصيرة لوحات فنية تثير فضول المارة وتدفعهم إلى الاقتراب منها والتحلق حولها ليكتشفوا براعة هذه الفنانة التي لا تقوى على تحريك أكثر الأعضاء التي يحتاجها الرسام، وتستعيض عنها برجلها الحافية.

وعلى الرغم من محدودية الإمكانات والوسائل المتاحة لها ومشاكل إعاقتها المزدوجة استطاعت كريمة أن تحول الإعاقة إلى طاقة إيجابية وإبداع فني، متخذة من موهبتها موردا للرزق يكفيها شر السؤال، وتحلم كريمة بأن تصبح فنانة تشكيلية عالمية، تقارع لوحاتها لوحات الفنانين التشكيليين العالميين، وتؤمن لها مشاركتها في موسم أصيلة الدولي تحقيق جزء من هذه الأمنية، حيث تعرض لوحاتها مع لوحات عدد من الفنانين التشكيليين المحترفين.

وتقول كريمة (33 عاما) "أحببت الرسم منذ الصغر وبدأت في ممارسة هذه الهواية في سن مبكرة، واستطعت ترويض أصابع قدمي من أجل التعامل مع الفرشاة والتحكم بها، وبعد عدة محاولات تمكنت من رسم أولى لوحاتي وأنا لا أتجاوز 11 سنة.

وتضيف "لم أكن أتوقع أنني سأتحول في أحد الأيام إلى فنانة تشكيلية معروفة، لكني لمست في نفسي القدرة على رسم ما أراه وما أتخيله فواصلت ممارسة هذه الهواية وتمرست فيها مع مرور الوقت". وتؤكد كريمة أن موهبتها فطرية، وأنها لم تتعلم الرسم ولم يسبق أن تلقت أية دروس في هذا المجال، لكنها كانت تحرص على الاستفادة من آراء النقاد بخصوص لوحاتها وتعمل على تطوير موهبتها من خلال توجيهاتهم ونصائحهم، ومن خلال احتكاكها بالرسامين في الورشات التكوينية التي ينظمها موسم أصيلة التي سمحت لها بالتعرف على فنانين تشكيليين داخل وخارج المغرب مما ساعدها على صقل موهبتها في الرسم حتى أصبحت لوحاتها تحظى بإقبال كبير.

الأكل برجل معاقة

تعتبر كريمة أن الرسم ساعدها على تجاوز محنتها الصحية والتعبير عما يخالجها، وكأنها ترسم بريشتها لوحات معاناتها مما يساعدها على إخراج شحنة المعاناة والتعبير عن الأحاسيس والمشاعر والأحلام، وحول طريقة عملها تقول كريمة "أرسم بقلم الرصاص وأستخدم الألوان المائية، أما المواضيع التي أرسمها فهي من واقع الحياة، وأركز كثيرا على الطبيعة والإنسان وكل ما يرمز للعادات المغربية".

ولا تعترف كريمة بالطقوس الخاصة التي يحرص عليها الرسامون أثناء عملهم، حيث يمكنها الرسم في أي مكان حتى في الشارع حيث تخلق عزلتها الخاصة وتستفيد من حركة الشارع للرسم والإبداع، وترفض كريمة وصف ورشتها المفتوحة في الشارع تسولا واستجداء لعطف الناس، وترى أن إعاقتها كانت محفزا لها لرفع رهان إثبات الذات والبحث عن مورد للرزق.

وتملك كريمة قدرة خارقة على استغلال رجليها بدل اليدين المشلولتين في قضاء حاجياتها، حيث دأبت كريمة على استعمال رجلها اليمنى كيد بديلة للأكل والشرب والرسم وترفض أن يساعدها أحد في هذه الأعمال، كما انضمت كريمة إلى صفوف محو الأمية وأصبحت تجيد القراءة والكتابة بالرجل.

وشاركت كريمة في أكثر من 25 معرضا جماعيا في مدن كالرباط وطنجة ومراكش وتطوان والقصر الكبير والدار البيضاء، وفي أربعة معارض في إسبانيا بمدن قادس ومدريد وبرشلونة وجبل طارق. وما زالت تحلم بإقامة معرض تشكيلي خاص بها.