وضعت الدولة في طريقها الإصلاحي الطويل نظاما لمحاربة الرشوة، وأعلنت عزمها على تنفيذ مبدأ: من أين لك هذا؟، وتساءل الناس عن كيفية إنفاذ هذين النظامين؟

ووجدنا من يقول باستحالة تطبيقهما، ولست هنا في معرض الإجابة عن تلك التساؤلات، أو إيضاح موقف الدولة منهما، فهي جادة -بإذن الله- في إنفاذ ما أعلنت عنه كجزء من مسؤوليتها الكبرى نحو صيانة المجتمع وحمايته.

لكنني أتساءل أنا الآخر: تُرى لماذا يُقدِم المرء على جريمة الرشوة أو الاختلاس، وقد حاربتها كل شرائع السماء وقوانين الأرض؟، وتذكرت وأنا أحاول معرفة الإجابة، أشياء كثيرة، منها: صراخ الحاجة، وضعف الموارد، ومطالب الحياة، وبدا لي في الجانب الآخر: جريمة الانحراف، وجناية الإخلال بتوازن المجتمع، والتحدي السافر لواجب المواطن الصالح، والانعكاس الخطير لدوره الواضح.

وبدا لي جليّا أن من يقدم على جريمة الرشوة، وعار الاختلاس، وجناية الكسب الحرام، «ظالم لنفسه» قبل غيره، لأنه انحرف بها عن مسلك الخير والعزة والكرامة، إلى طريق الشر والهوان والمذلة.

ولأنه أخمد بجرائمه -صوت ضميره- وقضى على نوازع الخير في نفسه، فانطلق في «أوحاله» بلا ضمير، وفي مخازيه بلا كرامة، وفي مجتمعه بلا شرف، وسيظل مهما تيسّرت له سبل العيش، وامتد به حبل الحياة، علما على الجريمة، وشاهدا على الخيانة، يغالب ومضات اليقظة في ضميره، ويكابد سوانح الخير في نفسه، في واقع مؤلم ومرير، لا ينجيه من قوته كل مباهج الدنيا ولو واتته، ولعذاب الآخرة أكبر لو كانوا يعلمون.

* من كتاب «دورنا في الكفاح» - 1962