تساءل موقع brookings عن أسباب مراهنة تركيا على روسيا، وكيف تحاول روسيا إعادة تشكيل العلاقات بين الولايات المتحدة وتركيا، في إشارة إلى صفقة منظومة الدفاع الجوية s-400، التي أصرت تركيا الحصول عليها، رغم رفض الولايات المتحدة، وعزم الأخيرة فرض عقوبات على أنقرة، ويقول الكاتب والمحلل جاليب دالي، وهو زميل غير مقيم في مركز brookings في الدوحة أنه في السادس من يونيو، قام وزير الدفاع سابقا باتريك شاناهان بإرسال رسالة شديدة اللهجة لنظيره التركي بخصوص الشراء المخطط للنظام الجوي إس-400 تريومف من روسيا. وأوضحت الرسالة خطة زمنية لإزالة تركيا من برنامج الطائرة المقاتلة لوكهيد مارتن إف-35 لايتنيج الثانية، في حال قامت تركيا بالمضي قدما في عملية الشراء.

فضح تكنولوجيا لوكهيد

وقالت واشنطن إذا تم تثبيته في تركيا، فإن نظام إس-400 تريومف سيفضح تكنولوجية لوكهيد مارتن إف-35 لايتنيج الثانية، في حين غضب الرئيس التركي رجب طيب إردوغان من التهديد بالعقوبات قائلا بأن شراء نظام إس-400 تريومف صفقة متممة، وبالطبع في الأسبوع الماضي بدأت روسيا بتوصيل النظام لتركيا.

تجنب العقوبات القاسية

وبما أن العلاقات بين الولايات المتحدة وتركيا متجهة نحو انحدار أكثر، يبدو أن إردوغان قد وضع آماله على الرئيس ترمب كي يتجنب العقوبات الأميركية، إذ خرج إردوغان من اجتماعه مع ترمب على هامش قمة العشرين في اليابان في نهاية يونيو وهو راض، حيث قام ترمب بإلقاء لوم أزمة نظام إس-400 على إدارة أوباما، وعلى عكس الرسائل من أماكن أخرى في حكومة الولايات المتحدة، فقد أعطى انطباعا بأنه لا يفضل فرض عقوبات قاسية على تركيا بسبب هذه القضية.

تغيّر مهم في التيار

ويرى الكاتب أنه مع اتضاح شراء نظام إس-400، لقد كان هنالك تغيّر مهم في التيار، في كُل من العلاقات الأميركية التركية والتركية الروسية، إذ قامت تركيا وروسيا توثيق العلاقات بشكل سريع في العديد من الجبهات في السنوات الأخيرة، وأن سورية كانت مغناطيسا استخدمته روسيا كي تجذب تركيا، الأمر الذي بدأ كمشاركة عملية واقعية بين الجانبين، ضمن سياق أزمة سورية، وتوقع القليل بأن التودد التركي الروسي قد يحل أزمة سورية المعقدة، ولكن حتى الآن استمرت العلاقة وتحسنت أكثر.

شراكة مع روسيا

يجيب الكاتب في تحليله على موقع بروكينجز أن التدخل العسكري الروسي في الأزمة السورية وإطلاق النار التركي اللاحق على الطائرة الروسية في خريف 2015 كانت نقاط تحول مهمة، فبالنسبة للأولى، سيناريو تغيير النظام في دمشق قد تضاءل أكثر في الأفق، وفي الثانية، تم طرد تركيا بالفعل من الساحة السورية، في حين تخلى الشرق بالفعل عن تغيير النظام في سوريا، فيما كان حزب العمال الكردستاني - وحدات حماية الشعب التابعة كانت سريعة في السيطرة على الأراضي والنفوذ السياسي في سورية.

تجاهل هدف تغيير النظام

وتجاوبا مع ذلك، وضعت تركيا كذلك هدف تغيير النظام جانبا، وحسنت العلاقات مع روسيا، وركزت على الحد من الانتصارات السورية الكردية بدلا من ذلك، وهذا الرهان أثمر بالفعل، ومع الرضى الروسي، تمكنت تركيا من إجراء العمليات العسكرية في الجنوب الشرقي من سورية، دافعة قوات حماية الشعب ناحية شرق نهر الفرات، ولكن مثل هذه البراجماتية لم تكن العامل الوحيد الذي قد شكّل المشاركة التركية الروسية منذ آنذاك، فالولايات المتحدة كانت الطرف الثالث الخفي الذي شكّل مسارها.

التباعد والفصل القوي

ويضيف الكاتب أن التباعد والفصل القوي كان المسيطر على العلاقات بين الولايات المتحدة وتركيا في السنوات الأخيرة، ولكن بغض النظر عن المجاملات الدبلوماسية، فإن المسؤولين من كِلا الجانبين قد رموا اتهامات وتهديدات على بعضهما البعض، ووبخت تركيا الولايات المتحدة بسبب دعمها للقوات السورية الديموقراطية، بينما أصبحت الولايات المتحدة صريحة أكثر في انتقاداتها لعلاقات تركيا مع روسيا وإيران، وكذلك سياسة أنقرة مع سورية.

تلاشي العلاقات المؤسسية

ويضيف أن العقوبة الأميركية التي تواجهها تركيا نتيجة لشراء نظام إس 400 ، تقع تحت طائلة قانون مكافحة أعداء أميركا من خلال العقوبات، وقد بات مستوى الثقة بين الجانبين في مستوى تاريخي منخفض، وأن العلاقات المؤسسية بدأت تتلاشى، خصوصا على المستوى العسكري، في حين أن الشعب والنخب السياسية وواضعي السياسات التركية قد بدؤوا يرون القيادة المركزية للولايات المتحدة كقوة تهديد.

الخيارات الصعبة لتركيا

ويواصل الكاتب رصد التحولات ويقول إنه في إبريل، طلب نائب رئيس الولايات المتحدة مايك بنس من تركيا أن تختار بين حزب الناتو وروسيا، مفضلة الاستقلالية الاستراتيجية في كُل من السياسة الخارجية والسياسة الأمنية، غير أن تركيا لا تريد أن تتخذ مثل هذا الاختيار، بل هي تبحث عن الطرق من أجل التوفيق بين عضوية حلف الناتو والعلاقات التاريخية مع الغرب، مع علاقاتها المتحسنة مع دول مثل روسيا والصين وإيران.

أميركا تقوض دور أنقرة

الأمر ليس فقط أن تركيا تعتقد بأن الولايات المتحدة ليست متقبلة جدا لمصالحها، بل إنها تعتقد كذلك أن سياسة الولايات المتحدة مع شرقي البحر الأبيض المتوسط تقوّض بشكل مباشر من دور أنقرة الأقليمي، خصوصا بعد تبني مجلس الشيوخ لـ “قانون الأمن والشراكة لشرق البحر الأبيض المتوسط”، الذي يزيد من تفاقم مخاوف تركيا من أن سياسة أميركا في المنطقة بلغت ذروتها في الاحتواء القوي لإيران والاحتواء اللين لتركيا، رغم أن تركيا كانت بشكل تقليدي، أحد الخطوط الرئيسية لسياسة الولايات المتحدة نحو شرقي البحر الأبيض المتوسط.

منهجية الاحتواء المزدوج

ويرى الكاتب أن العديد من المبادرات ستقنع المشرعين الأتراك أكثر من أن الولايات المتحدة تتبع منهجية الاحتواء المزدوج لإيران وتركيا، ولن يجعل ذلك من أنقرة أقل تعاونا فقط مع أي سياسة أميركية على إيران، وإنما كذلك سيحفزها أكثر للعمل بشكل وثيق أكثر مع روسيا وإيران.

الولايات المتحدة وتركيا

يرى الكاتب في تحليله أن الشراكة المكتشفة حديثا لتركيا مع روسيا لا تزال ضعيفة وقيد التطور، وأن الهجوم الأخير الذي قام به النظام السوري، الذي تدعمه روسيا على محافظة إدلب في سورية وضح بشدة حدود التعاون الروسي التركي في الشرق الأوسط وخارجه، وأن علاقتهما لا تطابق العلاقات التاريخية المؤسسيسة لتركيا مع الغرب، ولكن هذه العلاقات بدأت تضعف.

عقوبات قاسية

ولكن، يستدرك الكاتب، أن مجموعة قاسية من العقوبات الأميركية على تركيا بسبب شرائها لنظام الصواريخ إس-400 قد يكون ذو عاقبة غير مقصودة في جعل تركيا تعتمد أكثر على روسيا، وفي هذا السيناريو، هذه الصفقة ستتحول إلى اختيار إعادة التنظيم الجيوسياسي لتركيا، بعيدا عن الغرب وأقرب إلى روسيا.

رغبة روسيا

غير أن إبعاد تركيا أكثر عن الغرب وإضعاف حلف الناتو هو بالضبط ما تريده روسيا، مثل إعادة التنظيم هذه ستجعل من تركيا انطوائية أكثر ورجعية ديموقراطيا، وهذا لن يخدم لا المصالح التركية ولا الغربية، هذا الاحتمال الذي يجب على المسؤولين الأتراك والأميركيين تجنبه بأي ثمنٍ كان.