في أواخر القرن الثامن عشر، كانت الشعوب العربية تعاني من ضعف ملحوظ جعلها في آخر الهرم بين الأمم، وكان هذا الضعف يكمن في جهل الناس بتعاليم دينهم بالدرجة الأولى نتيجة لانتشار الأمية في تلك الفترة، ومن أحد أكبر الأسباب هي السياسة العثمانية، حيث كان الولاة العثمانيون مهتمين بالجانب العسكري وأخذ حقوق الناس والاعتداء على ممتلكاتهم، فلم تُبنَ المدارس أو المعاهد مما جعل الشعب يعيش في حالة من اليأس والفقر، حيث غالبية الشعب كان يقتاتون على ما يزرعونه وكان قليل الكمية، ولكن بعد مرور بضعة عقود برز على الساحة عالم ومصلح كبير كان له الأثر الكبير بعد توفيق الله أولاَ في نهضة بلاده ومن ثم قيام النهضات لبقية البلاد الإسلامية، إنه الإمام محمد عبده، وحتى تعلم عزيزي القارئ عن مدى تأثير هذا العالم المجدد الذي استلهم كثيرا من تجربة الإمام محمد بن عبدالوهاب، فعليك أن تعلم أن أهم الأدباء والمفكرين والشعراء في القرن العشرين كانوا تلاميذَ للأستاذ، فمثلا (أمير الشعراء) أحمد شوقي وكذلك (أمير البيان) شكيب أرسلان و(الأديبان الكبيران مصطفى المنفلوطي ومصطفى الرافعي)، إضافة إلى صاحب أهم مجلة إسلامية وهو محمد رشيد رضا، ومن المعلوم أن الإمام محمد عبده لم يتخصص في مجال معين فقط، بل تعداه إلى عدة تخصصات، فلقد كان مفسرا للقرآن الكريم، وشارحا لكتب الأدب مثل كتب المقامات الأدبية، إضافة إلى كونه صحفيا محررا في جريدة الوقائع المصرية، وكان مفتيا في الأزهر، واشتغل بالقضاء مدة ليست بالقصيرة، ولم يكن متواصلا مع أبناء من العرب والمسلمين فحسب بل كان له تواصل مع أكابر الكتاب والمفكرين الغربيين مثل الكاتب الروسي الشهير تولستوي، ولقد أعجب به كثير من المستشرقين الذين قاموا بالاستماع إلى دروسه في جامع الأزهر، ويصعب تحديد كل أعمال الشيخ وجهوده الواضحة في إزالة غبار الجهل وقتمة الظلام عن الناس، ولكن الغريب في أمر الإمام أنه عمل كل تلك الأعمال من الإصلاح والدعوة والتدريس والقضاء ولم يتم 60 سنة، فرحمهُ الله رحمة واسعة عما قدم لبلاده وللمسلمين من جهود وإصلاح.