مما لا شك فيه أن ما يحدث من تغيرات مناخية متطرفة في جزيرة العرب، ما هو إلا انعكاس طبيعي للمتغيرات المناخية التي تعصف بالغلاف الجوي لكوكب الأرض، وهذه التغيرات المناخية على نوعين، النوع الأول يمثل الفيضانات الشديدة التي تحدث على فترات متقطعة في فصل الصيف في كل من الركن الجنوبي الغربي والركن الجنوبي الشرقي لجزيرة العرب، وقد تحدثت عن هذا الموضوع في عدد من المواقع على صفحات هذه الصحيفة الغراء، أما المتغير الثاني الذي أصبح يمثل تحديا خطيرا لجميع سكان جزيرة العرب فهو العواصف الترابية التي تهب في فصول ومناطق مختلفة على جزيرة العرب، وهذه المتغيرات أصنفها إلى ثلاثة أنواع وهي كتالي:

1. النوع الأول من العواصف هو الذي يبدأ مع بداية شهر مارس وينتهي تقريبا في نهاية شهر أبريل، والسبب في حدوث هذا النوع من العواصف الترابية هو التغيرات المناخية المصاحبة لفترة الانقلاب الربيعي Spring Equinox.

2. النوع الثاني من العواصف الترابية يؤثر بصورة رئيسية على شرق جزيرة العرب، ويحدث في فصل الصيف ويبدأ مع بداية شهر يوليو وينتهي تقريبا بنهاية شهر أغسطس، ويطلق سكان الخليج على هذا النوع من العواصف الترابية اسم رياح الشمال الأربعين، لاستمرار هبوبها لحوالي أربعين يوما تقريبا، وهذا النوع من العواصف الترابية أخف وطأة من النوع الأول.

3. النوع الثالث من العواصف الترابية يقتصر تأثيره على الحجاز، وقد يمتد أحيانا إلى هضبة نجد، ويطلق عليه أهل الحجاز اسم الهواء اليماني، نظرا لهبوبه من الجنوب.

وسوف أتحدث بشيء من الإيجاز عن الظروف المناخية المسببة لكل نوع من هذه العواصف. وقبل مناقشة هذا الموضوع أحب أن أوضح خطأ يقع فيه الكثير ممن يعتقدون أن هذه التغيرات المناخية من صنع البشر، وأنها تستخدم كحروب تشنها بعض الدول علينا!! وهذا كلام عار من الصحة تماما! فما يحدث ما هو إلا تغيرات طبيعية في الغلاف الجوي للكرة الأرضية، مسبباتها تعود إلى دورات فلكية ثابتة ومحددة المعالم، مثلها مثل دورات الفصول الأربعة وتعاقب الليل والنهار.

النوع الأول من العواصف الترابية كما ذكرت يكون مصاحبا لفترة الانقلاب الربيعي، وتبدأ هذه العواصف تقريبا مع بداية شهر مارس وتنتهي بنهاية شهر أبريل تقريبا، والمحرك الأساسي لهذه العواصف هو التغيرات المناخية التي تحدث فوق حوض البحر الأبيض المتوسط، فأثناء رحلة الشمس إلى جنوب الكرة الأرضية تتسبب في رفع درجة حرارة المياه السطحية للبحر الأبيض المتوسط، فتصبح هذه المياه أكثر دفئا من المناطق القارية المحيطة خاصة قارة أوروبا، هذا الأمر يخلق نوعا من عدم الاستقرار فوق حوض البحر الأبيض، خاصة الجزء الشرقي منه، وأعني هنا بعدم الاستقرار تكوين تيارات هوائية متصاعدة، تحمل معها كميات كبيرة من البخار من المسطح المائي إلى الأعلى، وهذا ما يعرف بالمنخفض الجوي، ويرمز له في خرائط الطقس بالحرف (L). والمنخفض الجوي في أبسط تعريفه هو دوامة Swirl من الهواء يمتد محيطها إلى آلاف الكيلومترات، ويكون اتجاه حركة الهواء فيها تصاعديا ومغايرا لاتجاه حركة عقارب الساعة، وهذا عكس ما يعرف بالمرتفع الجوي ويرمز له في خرائط الطقس بالحرف (H) ، حيث يكون اتجاه حركة دوامة الهواء من الأعلى إلى الأسفل، وفي اتجاه مماثل لاتجاه حركة عقارب الساعة، وعادة ما يكون مصاحبا للضغوط الجوية المرتفعة طقس مستقر وصحو.

هذا المنخفض الجوي، أو بالأحرى المنخفضات عندما تتشكل فوق حوض البحر الأبيض المتوسط تمتد حركة دوامة الهواء فيها لمساحات شاسعة تغطي جزءا كبيرا من القارة الأوروبية ومنطقة شمال أفريقيا، أي منطقة الصحراء الكبرى، الحركة التصاعدية لهذه المنخفضات تلتقط كتلا كبيرة من الهواء البارد من القارة الأوروبية كما تلتقط كميات كبيرة من الهواء الحار نسبيا من الصحراء الكبرى الذي يكون عادة مشبعا بالغبار والأتربة ورمال الصحراء الكبرى، وبذلك يتكون لهذا المنخفض الجوي جبهتان، أحدها باردة ومحملة ببخار الماء، والجبهة الأخرى حارة نسبيا ومحملة بالغبار والأتربة، وعندما تمر هذه الدوامة الهوائية فوق جمهورية مصر العربية تتسبب في تكوين عواصف ترابية يطلق عليها سكان مصر اسم رياح الخماسين، وبلاد الشام أيضا لن تسلم من تأثير غبار وأتربة هذا المنخفض الجوي.

وعندما تمر هذه الدوامة ( المنخفض الجوي) فوق شمال جزيرة العرب، تلتقط رياحها التصاعدية مزيدا من الغبار والأتربة من صحاري جزيرة العرب، مما يتسبب في عواصف ترابية أكثر سوءا من رياح الخماسين الأفريقية. جبهة هذه الدوامة الباردة المحملة ببخار الماء تتسبب في هطول أمطار متوسطة إلى غزيرة على كل من جبال زاجروس في إيران والهضبة الأناضولية ( التركية)، بينما جبهتها الحارة نسبيا والمحملة بالأتربة تكون من نصيب كل من العراق ودول الخليج العربي وهضبة نجد، وقد يتجاوز تأثيرها الدرع العربي ( جبال الحجاز) لتصل حتى سواحل البحر الأحمر. تغيرات المناخ المصاحبة لهذا المنخفض الجوي (الدوامة) غريبة الأطوار ومثيرة، فسرعة الرياح فيها متغيرة الاتجاه والسرعة، فتكون في بعض الأحيان رياحا جنوبية غربية متوسطة السرعة، وتتغير إلى رياح شمالية غربية شديدة السرعة قد تصل سرعتها إلى 50 كيلو مترا في الساعة، يطلق عليه سكان الخليج رياح الشمال. والسبب وراء زيادة سرعة هذه الرياح يعود لسببين، السبب الأول هو تركيزها وانحصار هبوبها بين جبال إيران وجبال تركيا وجبال الحجاز، أما السبب الثاني فهو هبوبها فوق صحاري جزيرة العرب الحارة مما يعطيها قوة دفع أكبر.. المقام لا يسمح بمزيد من التفصيل فإلى لقاء لمزيد من التفصيل مع الأنواع الأخرى من العواصف الترابية.