فقلت في نفسي، لعلها خدعة الحنين إلى الماضي الجميل، ذلك الشعور بالاطمئنان الذي يغمرك عندما تذهب إلى بيتك القديم، أو تقلّب أوراق ذكرياتك، ولعل أكثر ما يحزنني الآن هو غياب عظماء الفن.
بالأمس، رحل فاروق الفيشاوي، وقبله محمود الجندي، ومحمود عبدالعزيز، وعبدالحسين عبدالرضا، والمئات من هؤلاء الذين طبعت بصماتهم على قلوبنا.
مع هبوط الدراما العربية، لم أستغرب عودة الدراما القديمة بقوة في هذا الزمن.
هذه الأعمال التي قدمت في الستينات والسبعينات وبداية الثمانينات، ما زالت تحقق الحضور نفسه. فكثير من القنوات الفضائية تعرض هذه الأعمال بشكل مستمر، وفي فترات مختلفة، وتتنافس في عرضها، حتى إن بعض الفضائيات العربية أفردت قنوات خاصة لهذه الأعمال.
تعالوا معي -مثلا- للمسلسل الكويتي «درب الزلق» الذي كان وما زال وسيظل على قائمة أهم الإنتاجات الإبداعية العربية إلى الآن.
المسلسل عُرض عام 1977 ضمن 13 حلقة مدة كل منها 30 دقيقة. في نظري أن أحد أهم الأسباب الرئيسية لنجاح المسلسل، هو خطابه الدرامي الذي قدم بأسلوب بسيط وواضح، وبعيدا عن التكلُّف.
فعندما ننظر إلى خالد النفيسي «أبوصالح» ونسيبه علي المفيدي «قحطة»، وحرمه «نبوية هانم»، نجد أنهم كانوا مثالا لعفوية الشخصية الكويتية والخليجية والعربية، فأصبح مثلا مشهد الأخوان «عبدالحسين عبدالرضا» و«سعد الفرج» والأم «عبدالعزيز النمش»، وهم يدندنون لعبدالله الفضالة أغنية «دلال أوي دلال» ما زال عالقا في الذاكرة والوجدان.
الأسئلة المطروحة: هل فرغت الساحة الدرامية من القيمة الفنية التي كانت تحمل أسماء كُتّاب نصوص دراما مبدعين، كعبد الأمير التركي كاتب «درب الزلق»، أو طارق عثمان كاتب «خالتي قماشة»، أو مهندس الدراما العربية «أبو السعود الإبياري» وآخر أفلامه في 1973 «البحث عن الفضيحة»، أو عميد الدراما العربية «أسامة أنور عكاشة» الذي كتب أطول المسلسلات الدرامية المتصلة في العالم العربي «ليالي الحلمية»؟.
هل وعي المشاهد العربي اختلف بين الأمس واليوم؟ هل زيادة حدة التنافس بين شركات الإنتاج بهدف الربح المادي الناجم عن بيع أعمالها للفضائيات، له دور كبير في ضعف الدراما العربية؟ هل التنافس بين صُناع الدراما تحول من المنافسة على المضمون والجودة والمتعة التي يقدمها العمل، إلى إنتاج أكبر كمّ من الأعمال الدرامية بشكل عشوائي؟.
أعتقد أن الإجابات عن كل هذه الأسئلة باختصار هي: نعم، عقلية المشاهد العربي للدراما، كانت حتى نهاية السبعينات الميلادية عقلية واعية متزنة، مثله مثل أي مشاهد في العالم للدراما، يستمتع بمادة العمل الدرامي، دون تحميل العمل أي ثقل ديني أو اجتماعي. ولكن مع الصحوة الدينية وهيمنتها على الساحة العربية، قلبت موازين النظرة المحايدة للدراما، وتمت سيطرة المتطرف الديني، وبدأ تكفير الفن وما يسمى بتوبة الفنانات. اكتشفنا بعدها أن هناك حملات تضخ فيها الملايين من الدولارات، لتشويه الفن ومحاربته.
أخيرا أقول، ألا ليت فن السبعينات يعود يوما لأخبره بما فعل قرننا الحادي والعشرون.