تقول الطرفة السودانية بأن هناك «زول» ذهب قريبا من النهر ليتفسح، وهجم عليه تمساح، وبعد أن كاد يفتك به، كتب الله له عمرا جديدا، وبعد عودته إلى منزله حضرت إليه والدته وسألته عن القصة كاملة، فأجابها (مشيت الباحوور، وطلع ليي تمساح كان داير يكسر رقبتي، وربنا نجاني)، وما إن انتهت أمه من سؤالها حتى حضرت أمها لتعيد نفس السؤال، وأجاب بنفس الإجابة (مشيت الباحوور، و...، وربنا نجاني).

وبعد أن حضرت جارتهم، وبعدها جارت الجيران، وبعدها من كانت زعلانة مع الجارة الأولى فحضرت في وقت مختلف، ولكن جميعهم اتفقوا على نفس السؤال، ليكرر إجابته مرة تلو الأخرى، حتى (فاض به وكل ومل) وقال لأحدهم: (مشيت الباحوور، وطلع ليي تمساح كان داير يكسر رقبتي، ليتو كسرها وخلصني).

بعضنا إن لم يكن كلنا يتذكر حين ألم به ظرف ما، وقد يكون مر بظروف فقد أسرية موجعة، أو مرض أتلف جزءا من جسده أو... أو، وتجد أصحابه وكأنهم أعضاء (اسوشييتد برس) الإعلامية، لكثرة أسئلتهم واقتراحاتهم لحل تلك المشكلة التي سبق أن أغلقها الله بحكمته قبل حضور هؤلاء المفتين، بأنه لو صار ولو صار لما صار، ونسوا أن خلف كل مصيبة حكمة.

وتختلف أسئلة هؤلاء (الحكماء) واقتراحاتهم باختلاف وضع صاحب الشأن، فيا سلام لو كان منوما في المستشفى ويقوم أصحابه وأصحاب (اللي خلفوه)، بالاطمئنان عليه.

فبدلا من كلمتين أثناء زيارة قصيرة بشوشة، تجد أن هذا الزائر قد تحول إلى أستاذ مشارك في هذا التخصص الطبي الذي يعاني منه هذا المريض، وتجده يفتي بكان يجب وما كان يجب، ولو أخذت نصيحتي فاعمل واعمل، وهذه مني لك (خلطة ركبة الأفعى) لتطويل خرطوم النملة، وكل من الزوار له نفس الأسئلة وبعدها لا بد أن يلقي بخلطته ويجب ولا يجب الخاصة به.

ما زلنا ننعم بعلاقات اجتماعية قد فقدت لدى أغلب الدول المتحضرة، وهذه نعمة يعرف ثمنها من فقدها، فتجد العزاء والمواساة، ومشاركة الأحزان، وزيارة المريض، سنناً يؤجر عليها فاعلها، ولكن هل تمت بالطريقة التي سنت بها، هل نفذت بما ينسي المصاب ما أصابه، أم أننا نعزي صاحب العزاء ونعود المريض ونغادر ولسان حاله يقول (ليتو كسرها وخلصني).

نظرة للسماء: مشاركة الأفراح والأحزان من صفات الأوفياء، ومن صفات الأوفياء أيضا الإحساس بمشاعر من يشاركهم.