من جديد، عاودت القوى السياسية في مصر شكوكها تجاه جماعة "الإخوان المسلمين"، وتحولت تلك الشكوك إلى مثار جدل داخل الساحة السياسية في مصر وتحديداً فيما يتعلق بكون الإخوان القوة الأكثر ترشحاً للفوز بالانتخابات البرلمانية المقبلة، وبالتالي صياغة "الدستور الجديد" الذي من المتوقع أن يحكم مصر في بدايات ما بعد ثورة 25 يناير، ذلك على اعتبار أن الإخوان لديهم من التنظيم ما يجعلهم الأقدر على الفوز بانتخابات مجلس الشعب المقبل الذي سيختار لجنة تأسيسية لصياغة الدستور الجديد. وذهب البعض إلى الخوف من أن فكرة انتخاب 50% من الأعضاء بالقوائم النسبية، وانتخاب 50% بالنظام الفردي، لن يصب سوى في مصلحة الإخوان وبعض الأعضاء السابقين في الحزب الوطني "المنحل". وهو ما أعلنه "اتحاد شباب الثورة" صراحة، مشيراً إلى أن "نسبة الـ50? بالقائمة المغلقة ستمنح جماعة الإخوان المسلمين فرصة الاستحواذ على نصف المقاعد".

ومما ساعد على ذلك ما قاله مساعد وزيرة الخارجية الأميركية لشؤون الشرق الأدنى جيفري فيلتمان من أن "الولايات المتحدة ستتعامل مع الإخوان المسلمين طالما قبلوا بقواعد اللعبة الديموقراطية، وعملوا بموجب القانون، واحترموا الأقليات وحقوق الإنسان، فهم جزء من المجتمع الدولي وفريق مصري نجري اتصالات معه".


مخططات الإخوان

تصاعدت الأحاديث حول مخططات الإخوان في عدد من المحافظات التي تستهدف الاستئثار بالمقاعد كافة على طريقة الحزب الوطني "المنحل"، حتى إن هناك العديد من المرشحين الذين أعلنوا عن خوضهم الانتخابات كمستقلين في الانتخابات المقبلة رغم انتمائهم لجماعة الإخوان، وهو ما تمثل بوضوح في دائرة "الشهداء" التابعة لمحافظة المنوفية، حيث ظهر الدكتور محمد الخبيري الذي أكدت بعض المصادر على أن جماعة الإخوان كانت ترغب في ترشيحه في الدورة السابقة لكنه رفض. وقامت الجماعة بالدفع بالمرشح الثاني فئات أيضا وهو الدكتور عثمان حسين عثمان، ورغم إعلانه أنه سيكون مستقلا في انتخابات مجلس الشعب المقبلة، إلا أن ميوله الإخوانية معروفة للجميع، والأكثر أن الجماعة تستعد للدفع بالنائب الأسبق عن دائرة دنشواي على مقعد فئات علي إسماعيل أيضا. وهو ما أثار المخاوف من رغبة الإخوان في الانفراد بالانتخابات البرلمانية المقبلة.

وهي المخاوف التي يرى الدكتور عصام العريان، نائب رئيس حزب الحرية والعدالة، أنه لا أساس لها من الصحة، مشيراً إلى أن "أي اتهامات للإخوان بأنهم يسعون إلى الانفراد بالانتخابات البرلمانية المقبلة أو بصياغة الدستور الجديد مزاعم غير حقيقية". كما نفى العريان الاتهامات الموجهة للإخوان بأنهم يسعون إلى تأسيس دولة دينية قائلاً "الجدل حول الدولة المدنية جدل في غير محله لأن الجميع متفق على أن مصر لا يمكن أن تكون فيها دولة دينية". وعلى النقيض مما سبق ذكره من قبل القيادي الإخواني صبحي صالح من أن "الإخوان يدعمون الدكتور محمد البرادعي في انتخابات الرئاسة"، أكد الدكتور محمود حسين، الأمين العام للجماعة، أن الإخوان لا يدعمون أي مرشح للرئاسة"، مشيراً إلى أن "أي شخص مهما علا مكانه في الإخوان لن يلتزم بقرارات الجماعة سيتم التعامل معه بجدية، كما حدث من قبل في القرار الذي اتخذ في اجتماع مجلس شورى الجماعة الأخير بفصل (عبدالمنعم) أبوالفتوح".

وعما يثيره البعض عن دعم الإخوان للدكتور عبدالمنعم أبوالفتوح بشكل سري، قال حسين "أؤكد أن هذا لن يحدث أبداً".

وعن دعم الإخوان للدكتور سليم العوا، أكد حسين أنهم حتى الآن لم يتخذوا قرارا بشأن دعم أي من مرشحي الرئاسة.


إسحاق: لا فرق بين الجماعة وحزبها

لكن جورج إسحاق، مؤسس حركة كفاية، أعرب عن عدم فهمه للفارق بين جماعة الإخوان وحزبها. وأكد أن "الناس تريد أن تطمئن، ومع تقديري للإخوان المسلمين، فإن الجماعة صنفت المسلم اليساري والعلماني بأنه ليس مسلما، فماذا عن المسيحي؟"


حمزاوي: تعامل دون تمييز

ورداً على المخاوف من هيمنة الإخوان على الانتخابات البرلمانية المقبلة وبالتالي على وضع الدستور الجديد، اقترح الدكتور عمرو حمزاوي، أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة، وضع مجموعة من المبادئ فوق الدستورية لا يخرج الدستور المقبل عنها بما يضمن "تعامل الدولة مع المواطنين كافة على أنهم سواسية ودون أي تمييز على أساس عرقي أو ديني وبما يضمن إعلاء مبدأ المواطنة وكفالة الحق لكل مصري في أن يترشح للرئاسة طالما كان كامل الأهلية السياسية، وأن تكون المرجعية النهائية هي الدستور، إضافة إلى التزام الاقتصاد بالعدالة الاجتماعية".

ياسين ووهم الإخوان

أما المفكر السيد ياسين، الخبير بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، فيرى أن "الإخوان قوة منظمة تنظيماً فائقاً، وهذا التنظيم المحكم أعطى إحساساً زائفاً بالقوة وبقدرتهم على الوصول إلى السلطة، وفي تصوري أن هذا وهم باطل، لأن المجتمع المصري به قوى حية لا يمكن أن تقبل بتحوله إلى دولة دينية، وتريد لمصر أن تكون دولة مدنية وديموقراطية". ويرى ياسين أن "الخطر الوحيد يكمن في أن الوقت المتبقي على الانتخابات البرلمانية غير كاف؛ لأن تنظم الأحزاب الجديدة نفسها".


المصريون الأحرار: مدنية الدولة

لكن حزب "المصريين الأحرار"، الذي أسسه رجل الأعمال نجيب ساويرس، لم يخف مخاوفه من رغبة الإخوان في السيطرة على الحياة السياسية في مصر، وراح الحزب ينظر بعين الريبة إلى التحالف الذي تم مؤخراً بين "الإخوان وحزب الوفد"، مبدياً دهشته بشأن استباق حزب الوفد للأحزاب الليبرالية وجلوسه منفرداً مع الإخوان المسلمين.

وقال الحزب: إنه يربأ بنفسه أن يحول أول انتخابات نزيهة مرتقبة، من اختيار حر مباشر إلى انتخاب من الدرجة الثانية تفرض فيه الأحزاب وصايتها على الناخب، وتختار قائمة موحدة وتقدمها معلبة.

وأكد الحزب أن لديه الكثير من التساؤلات حول توجه تيار الإسلام السياسي، ونيته تجاه أسس الدولة المصرية التي انطلقت من دستور 1923 وأرست مبدأ مدنية الدولة، وتلتها دساتير مختلفة آخرها دستور 1971 الذي كانت آخر تعديلاته في اتجاه تدعيم مبدأ مدنية الدولة.

ووصف الحزب هذا التحالف بأنه "يحتاج إلى الكثير من الترتيبات والمضامين حتى لا يضاف إلى كم التحالفات المحبطة السابقة التي ينظر إليها المواطن المصري بعين الشك والريبة".