على وفرةِ المرويات عن الحج، فإنه ليس من قبيل الصدفة أن يتداول الناس في كل موسم حج قصة ورواية الحاج الإفريقي «منسا موسى» من زعماء إمبراطورية مالي الكبرى، وأغنى رجل في تاريخ البشرية كلها على مر العصور القديمة والحديثة، حيث بلغت ثروته آنذاك 400 مليار دولار أميركي، بعد أن قُدّرت هذه الثروة بعملة اليوم. إن تداعيات رحلة «منسا موسى» إلى مكة المكرمة لأداء مناسك فريضة الحج عام 1324م، وما تضمنته الرحلة من عجائب وغرائب وحوادث خارجة عن سياق العادة، هي ما فرض على الناس كل هذا الإعجاب، إضافة إلى جملة القيم العليا التي كان يتحلى ويتمتع بها هذا السلطان، فقد كان لرحلته أبرز الأثر في هذا السياق، فالكرم والشجاعة والتقوى والتمسك بتعاليم الدين الإسلامي ونشر الإسلام خصال كانت وما زالت العامل الأول في هذا الاهتمام والإعجاب خاصةً من قبل الشاب المسلم المتعطش إلى معرفة حياة عظماء المسلمين عن كثب، لطالما تجاهلت وسائل الإعلام عن قصد أوغير قصد مآثر العظماء الذين سجلوا أسماءهم على جبين التاريخ بأحرف من نور، ولولا أن المصادر التاريخية والمراجع الاقتصادية التي نقلت إلينا تفاصيل هذه الرحلة بوثائق مدونة وصور قديمة مؤرشفة، لشكك الكثير من جيل اليوم في حقيقة وصحة هذه الرحلة، وما احتوته من مواقف وأحداث لا أظن أن تفاصيل أحداثها ستتكرر. ومن العجيب أن «منسا موسى» لم ينقل عنه أنه مارس الديكتاتورية والغرور التي دائما ما تبدو لصيقة بهذا النوع من الثراء الفاحش، بل العكس تماماً، فقد روي ونُقل عنه أنه وفي أثناء رحلته تلك التي امتدت لفترة زمنية طويلة قاربت السنة ابتداءً من غرب إفريقيا إلى أن وصلَ وحط رحالة في مكة المكرمة قاصدا بيت الله الحرام، قام بتوزيع سبائك الذهب بسخاء على كل من التقى به أثناء رحلته تلك لاسيما في مدينة الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم المدينة المنورة. كما روي عن القافلة التي أقلته أنها كانت تحمل على ظهر كل بعير 160 كيلوجراماً من الذهب، وكل خادم معه كان يحمل صندوقا آخر، وقد كان عدد هؤلاء الخدم 1000 فرد. لك أن تتخيل عزيزي القارئ، أن اقتصاد العالم في تلك الحقبة قد تأثر تأثراً شديداً بتضخم سريع امتد أثره 20 سنة جراء تداعيات تلك الرحلة. وفي رحلة العودة لم يعد بشيء مما رحل به من سبائك وغيرها من الخيرات، ولكنه عاد ومعه العلماء والكتب التي أسهمت بدورها في نهضة علمية وثقافية فيما بعد، فأصبحت مالي مركزاً تجارياً ودينياً وثقافياً للعالم بأسره، وقد قيل في ذلك ذهب «منسا موسى» بالذهب وعاد بالكتب.