تقول صحيفة The New York Times إن مشهد الرئيس السوداني السابق عمر حسن البشير، وهو جالس في محبسه داخل قاعة محكمة في الخرطوم الاثنين الماضي يعكس جانبا مسرحيا سخيفا، بعد أن كان البشير يتكلم منذ ما يقرب من 30 عاما بغطرسة، بعد أن تغلّب على المعارضة السياسية وتجاوز الإدانة العالمية، بعد اتهامه عام 2009 بجرائم الحرب.

ويقول الكاتب والمحلل باركر بلال في تحليله في صحفية نيويورك تايمز أنه من غير المؤكد ما إذا كان سيتم تحقيق العدالة في هذه المحاكمة أم لا، فالوقت وحده كفيل بأن يثبت ذلك، ولكن ما تخبرنا به محاكمة السيد البشير هو أنه يجب على السودان الآن أن يتصالح مع واقعه الجديد، وأن يفهم حجم الفرصة التي أمامه، إذ يحتاج السودانيون إلى التفكير في كيفية توظيف الإمكانات الكاملة، التي توفرها هذه اللحظة في التاريخ، وأن يتعامل السودان مع واقعه الجديد، وأن يفهم ما يعنيه إتاحة هذه الفرصة لاستعادة البلاد بعد ثلاثة عقود.

تحديات تواجه السودان

ويرى الكاتب أن اتفاق تقاسم السلطة، الذي تم توقيعه أخيرا بين المجلس العسكري الانتقالي وقوى إعلان الحرية والتغيير التحالف المدني المعارض، يعد خطوة كبيرة إلى الأمام، وأن المجلس السيادي الذي يضم ستة مدنيين وخمسة من الجنرالات سيتولى إدارة البلاد، حتى إجراء الانتخابات في عام 2022.

فالتحدي الذي يواجه السودان اليوم هو كيفية التحرك في الاتجاه المعاكس، وجمع أبناء البلد حول هدف إعادة بناء الأمة، وعلى الرغم من تصور السودان كدولة فاشلة مُدانا بالصراع المدني المستمر والركود الاقتصادي، فقد أنتجت البلاد فنانين موهوبين وعلماء ومهندسين ومهنيين.

ويضيف أن الصعوبة دائما كانت تكمن في التغلب على الولاءات ذات الطبيعة الإقليمية أو الإثنية أو الدينية، بل كانت الالتزامات العائلية والقبلية تثقل دوما كاهل السودان، لكن الشعور بالظلم الذي أشعل الاحتجاجات وجمع الناس لهزيمة السيد البشير، بغض النظر عن الخلفية، يوفر الأمل.

الشباب أمل البلاد

المستقبل يكمن في الشباب الذين شكلوا الجزء الأكبر من المحتجين، خصوصا أن البلاد كان يديرها لفترة طويلة جدا رجال كبار السن.

ويشعر الكثير من الحرس القديم بالسودان أنهم يستحقون دورا في الإجراءات الحالية، لكن السياسة السودانية كانت تعاني منذ فترة طويلة من الخلافات والاختلافات الشخصية، وأن العودة إلى هؤلاء من شأنها تقويض زخم التغيير، فيتعين عليهم في الوقت الحالي التنحي، والسماح للبلاد بتحقيق ما كان يصبو إليه منذ وقت طويل.

ويرى باركر أنه رغم التحديات الداخلية والخارجية العديدة، تبدو الحكومة الانتقالية واعدة، بما في ذلك إضافة امرأة قبطية، في حين يتمتع رئيس الوزراء السيد حمدوك بخبرة مهنية عالمية كبيرة، ويمثل عودة إلى نوع من البراجماتية المهنية، التي يحتاجها السودان، ليرتقي من الزمان الذي كان فيه الولاء للرئيس والتقوى الدينية أهم من المؤهلات أو الخبرة.

التفاؤل الحذر

ولكن الكاتب توقع باحتمال ضئيل عدم الوثوق بالمؤسسة العسكرية، حينما قال عندما طردت الانتفاضات الشعبية الأنظمة العسكرية التي لا تحظى بشعبية، في أكتوبر 1964 وإبريل 1985، لم يستمر الحكم المدني لأكثر من خمس سنوات قبل أن يتولى الجيش السيطرة عليه «يبقى هذا احتمالا»، على الرغم من كون العالم بات مكانا أكثر شفافية اليوم.

هناك حجة للتفاؤل الحذر، تدفق التعبير الفنية خلال الاحتجاجات، والجداريات التي ظهرت حول جدران الخرطوم والحفلات الموسيقية التلقائية وجهت عقودا من الإحباط إلى طاقة إبداعية، فالسودان ليس مصر وليبيا ولا سورية، إنه أصغر حجما وأكثر ريفية في الطبيعة وأكثر تواضعا، لهذا طالما مُنح الشباب الفرصة، فإن لديهم القدرة لاغتنامها وإحداث التغيير في البلاد.

هجرة ملايين السودانيين

ويقول المحلل إن ثلاثة عقود من حكم السيد البشير شهد هجرة ملايين السودانيين، لذا فإن تحقيق قدر ضئيل من النجاح يمكن أن يعيد العديد منهم، إن الفشل في إصلاح نظام الحكم والاقتصاد من شأنه أن يسحق آمال مئات الآلاف من الشباب، ويغري العديد منهم إلى البحث عن حظوظهم في الخارج، وهذا من شأنه أن يضع البلد على طريق اللاعودة، ويقود نحو التفكك المحتمل، وعدم الاستقرار الاقتصادي والسياسي، وإشعال فتيل الصراع الإقليمي والمعاناة التي لا توصف للملايين.

ماذا يجب على السودانيين في الفترة القادمة

تجاوز الولاءات الإقليمية أو الإثنية

التصالح مع واقعهم الجديد

تفهم حجم الفرصة المتاحة أمامهم للتغيير

التفكير في كيفية توظيف الإمكانات التي توفرها اللحظة التاريخية

العمل على استعادة البلاد بعد ثلاثة عقود

تنحي كبار السن والسماح للشباب