الطقوس كما يعرفها علماء الأنثروبولوجيا الاجتماعية هي «مجموعة حركات سلوكية متكررة يتفق عليها أبناء المجتمع وتكون على أنواع وأشكال مختلفة تتناسب والغاية التي دفعت الفاعل الاجتماعي أو الجماعة للقيام بها»، ومن ذلك نفهم تمسك مختلف المجتمعات البشرية وأفرادها بسلوكيات نشأت وتطورت وباتت جزءا مهماً من أدبياتها وإيديولوجياتها، وأصبحت الأجيال تتوارث تلك الأنشطة والممارسات وتتطور معها، وتكون حقا مكتسبا يوجب الدفاع عن تلك السلوكيات ورموزها وشعاراتها وفنونها، وهذه الطقوس تشمل مختلف نواحي حياة الناس الاجتماعية والدينية والوطنية والشعبية والترفيهية، وفي ظل قوة الطقوس وتغلغلها ونفاذيتها في العقل الجمعي ومخرجاتها السلوكية تكون السيطرة والنفوذ والقوة، وإيجاد مجموعة متنوعة من الوسائل والأدوات والشخوص لحمايتها، وعدم السماح لأي محاولة لاختراق منظومتها أو التطاول عليها أو الابتعاد عنها أو نقدها أو إعادة النظر في فائدتها.

وإن من أهم ما تمتاز به الممارسات الطقوسية هو تكرارها من قبل الممارسين لها خلال أزمنة ومواقع محددة لإحياء واقعة مضت أو الاحتفاء بحدث مهم للجماعة أو أحد رموزها أو تراثها الشعبي أو معتقداتها، ويسعى قادة الطقوس والمحافظين عليها إلى إضافة الجاذبية لها والانتماء إليها، وإدخال بعض التحسينات عليها والتي تُناسب الجديد في كل زمان ومكان، وضمن ما يتوافر لديها من إمكانيات مادية ومعنوية تجعل من العامة يرتبطون بها ويشاركون في أنشطتها وممارساتها بكل فخر واعتزاز والدفاع عنها، والمطالبة بممارساتها وما يصاحبها من سلوكيات بحرية وأمان في مجتمع وطنها، وتكون ضمن حقوقها.

ومن خلال تنفيذ أي طقس يتم شحن الزمن والمناسبة وأفرادها بالقداسة، ويتم استعادة وقائع التاريخ المقدس وأحداثه في الخيال الجمعي، وإلهام الذاكرة الجمعية بالرمز والمعنى، وتمكين المنخرطين في ممارسة الطقوس من العيش في زمنين أحدهما أسطوري مُتخيل، والثاني فيزيائي حقيقي، وعند التقاء الزمنين يُوقف الزمن المُتخيل الزمن الفيزيائي، ويجعل من الفرد يعيش في أحداثه ويتأثر بنتائجه ويتمنى المشاركة في نشاطه ودعم الفئة أو الرمز أو الفكرة، ويتفاعل مع الممارسات والأنشطة الواقعية وأدواتها وكأنه في الزمن المُتخيل، وتدعم الجماعة أفرادها وتشجعهم على قوة المشاركة وجني نتائج ثمرتها بعد الانتهاء من ممارسة الطقس.

والعالم الإسلامي بمختلف بيئاته وتعدد مرجعياته الدينية ومذاهبه يُوجد فيه عدد من الممارسات والأنشطة التي ارتبطت بأحداث ومناسبات زمنية ومكانية وتم تمجيدها وتأصيلها واعتبارها احتفالية مُقدسة، وصاحبتها عبر تكرارها وممارساتها وفنونها صراعات قوية بين المُؤيدين والمُنتمين لها وبين المعارضين والناقدين لها، وخلقت بين الطرفين ردود أفعال وسجالات ومضايقات، وفي بعض الأحيان وقعت بينهم الاعتداءات، فأصحاب الطقوس الدينية يرون أن في ممارساتهم دعما للشعائر العبادية المنصوص عليها في تراثهم، وأن عملهم لا يتنافى مع تعاليم القرآن والسنة أو المباح، والمعارضون لهذه الطقوس يرون أنها بِدعة وكل بدعة ضلال، وأنه يتعين عليهم مُحاربة البدع وأهلها وتصفية الإسلام منهم، وبين هذا وذاك تكمن الإشكالية وينفذ فيها أصحاب المصالح والتوجهات.

فمختلف الأطراف يتفقون على أصالة الشعائر الدينية كتطبيق ووحدة شعار والفارق بينهم لا يُذكر، والمشكلة تكمن في ممارسة الطقوس الهامشية إن صح التعبير وما تحتويها في بعض التصرفات من استفزاز أو إساءة أو بدعة، إن جاز الوصف ولو راعى كل طرف الآخر، وحذف من طقوسه أو معارضته الإثارة والعنصرية والضرر والاستهزاء ووضع مكانها الاحترام المتبادل وحرية الاختيار والنفع العام، حينها تكون بدعة الطقوس والحاجة إليها واقعا مُعاشا.