جاء نبينا صلى الله عليه وسلم بالتوحيد الخالص لله رب العالمين، فظنّ الجاهلون أن ذلك سيفرّقهم، والواقع أن عقيدة التوحيد الخالص لله تعالى تجمع معتقديها، وتجعلهم متآلفين بعد العداوة، ومجتمعين بعد التفرق، ومهتدين بعد الضلال، ذلك أن توحيد الكلمة إنما يكون بكلمة التوحيد، بينما ترك التوحيد سبب لفرقة الناس وعداوتهم، حتى وإن حسبهم الرائي جميعاً قال تعالى (تحسبهم جميعاً وقلوبهم شتى)، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم للأنصار (أَلم أجدكم ضُلالا فهداكم الله بي؟ وكنتم مُتفَرِّقين، فَألَّفَكم الله بي؟ وعالة فأغْنَاكُم الله بي؟ كلما قال شيئا، قالوا: الله ورسولُهُ أَمَنُّ)، فكما تلاحظ كانوا متفرقين، فكانت عقيدة التوحيد التي جاء بها نبينا محمد صلى الله عليه وسلم سبباً لجمعهم ووحدتهم.

كما أن عقيدة التوحيد تدعو للتعامل مع جميع المختلفين والمخالفين في العقيدة، وتتعامل معهم بالعدل والحق، وقد عاش النبي صلى الله عليه وسلم في المدينة مع صحابته، وكان فيها منافقون ويهود، وكان تعامل الإسلام معهم أحسن تعامل عرفته البشرية، وهكذا قامت دولة الإسلام في عصر الخلفاء الراشدين ومن بعدهم على عقيدة التوحيد، وكانت تتعامل مع المختلفين بالتي هي أحسن؛ لأن ذلك هو مقتضى العقيدة الصحيحة التي أعطت كل ذي حق حقه، فكما جعلت للمسلم حقا، جعلت للكافر الذمي حقاً، وللكافر المستأمن حقاً، وللكافر المعاهد حقاً، والجميع يعيشون في ظل حكم الإسلام وعقيدة التوحيد بأمن وعدل وراحة.

وقد جاء الملك عبدالعزيز والناس متفرقون ومتعادون، فجمعهم على العقيدة الصحيحة التي كانت سبباً للأمن وعصمة الدماء واجتماع الكلمة ولزوم جماعة المسلمين وإمامهم، فعل ذلك رحمه الله مقتدياً بالنبي صلى الله عليه وسلم، وما سار عليه أسلافه الصالحون (آل سعود) رحمهم الله، وتبعه على ذلك أبناؤه الملوك البررة سعود وفيصل وخالد وفهد وعبدالله رحمهم الله، والآن عصر خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان حفظه الله، كلهم ساروا على سيرة نبيهم وأسلافهم الصالحين، وكانوا ينصرون التوحيد، ويقولون في كل محفل لا مساومة على العقيدة، فحصل بسبب ذلك هذه الوحدة العظيمة التي نتفيأ ظلالها الآن، وزالت العداوات بين الناس، واجتمعت الكلمة بكلمة التوحيد، وعرف الناس أن العقيدة الصحيحة توجب البيعة لولي الأمر، والسمع والطاعة، وعدم الخروج على ولي الأمر، والدعاء له بالتوفيق، وإعانته على كل خير، وعدم غشه أو التهييج عليه، فصاروا يحبون ولي أمرهم عن اعتقاد شرعي، ولو خاض بهم البحر لنصرة الدين والوطن لخاضوه معه، ما تخلّف منهم رجل واحد؛ لأنهم أهل عقيدة شرعية يتقربون بها إلى الله، وليسوا أهل أهواء ومصالح شخصية أوانتهازية.

ومع الأسف فإن (بعض) الناس هداهم الله، لم يُعجبهم ذلك، فصاروا يدندنون في بعض كتاباتهم وأطروحاتهم على عدم أهمية مرجعية العقيدة الصحيحة، راغبين استبدالها بأحزاب أو تيارات، تدّعي «الوطنية» أو «الإسلامية»، وحاولوا تمرير ذلك عن طريق الإيهام أن العقيدة الصحيحة لا تراعي حقوق المختلفين، ولا تجمع الناس، وأنها تُعنى بالأممية ولا تعنى بالوطن، وأنها فكر أُحادي متقوقع على ذاته... إلخ شبهاتهم، بينما يزعمون أن تياراتهم وأحزابهم التي يسمونها (إسلامية أو وطنية) هي التي تُراعي الحقوق وتجمع الناس.

والواقع أنهم مع مخالفتهم للنصوص الشرعية في زعمهم هذا، فهم كذلك مُخالفون للواقع، فالواقع منذ عهد النبي صلى الله عليه وسلم إلى زماننا يدل على أن العقيدة الصحيحة سبب لاجتماع القلوب، بينما الحزبيات والتيارات كالميازيب تجمع الماء كدرا، وتفرقه هدرا، فهي وإن جمعت الناس في الظاهر إلا أن الحقيقة أنهم مختلفون، كلٌ يتربص بصاحبه؛ لأن الذي يجمعهم مطامعهم الانتهازية، كما هو مُشاهَد.

والحزبيون الذين يظنون أن الانتماء الوطني يتعارض مع حب المسلمين خارج الوطن، جهالٌ في العقيدة الصحيحة، وعلاج ذلك يكون بتعليمهم العقيدة الصحيحة.

فحب الإنسان لأهلِ بيته لا يتعارض مع حبه لغيرهم من المسلمين، والإنسان مسؤول عن أهل بيته، وهكذا المواطن مسؤول عن حفظ وطنه، والسمع والطاعة لولي أمره بالمعروف.

إن الألفة واجتماع القلوب إنما يكونان بسبب التوحيد الخالص لله رب العالمين، كما في قوله تعالى (وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِم لَوْ أَنفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مَّا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَٰكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيم)، والله أعلم بمن يستحق شرف التوحيد، ولذلك جعلهم ملازمين له، قال تعالى (وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوَىٰ وَكَانُوا أَحَقَّ بِهَا وَأَهْلَهَا) والمراد بكلمة التقوى هنا: هي كلمة التوحيد.

كما أن الواقع يدل على أن من أراد أن يجمع الناس على حزب معيّن «كالإخوان المسلمين» على سبيل المثال، فإنه يحرص على التكتل والاصطفاف الحزبي، ويعادي من لا ينضوي تحت حزبه، مما يؤدي لانقسام المجتمع، ولذلك فشل فشلا ذريعا، ولم تثمر حزبيته وتكتلاته إلا الشقاق والتفرق والدماء والمصادمات والشرور.

وهكذا من أراد أن يُنحِّي العقيدة ليجعل محلها تياراً أو حزباً «وطنياً»، فإنه بصنيعه هذا يستبدل الذي هو أدنى بالذي هو خير، ويسير على طريقة الإخوان في التكتل الحزبي، وفي المزايدة المؤدية للانقسام، فكما أن الإخوان حصروا المسلمين في حزبهم، فكذلك دعاة ما يسمى بالتيار الوطني يحصرون الوطنية في حزبهم، ومن لم يدخل في حزبهم ينفون عنه الوطنية، فيقسمون المجتمع حينئذ، والواقع أن كل المواطنين على اختلاف توجهاتهم يحبون وطنهم وقيادتهم، فلا حاجة للتيارات والأحزاب، لكونها أحد الأسس التي تُحدث التفرق والفتن، كما أن هذا المسلك كذلك يهيء الناس لعدم اعتقاد ما جاءت به العقيدة مما يعتقده الناس ديناً يتقربون به إلى الله تجاه ولي أمرهم كالبيعة والإمامة والسمع والطاعة وعدم الخروج وعدم منازعة ولي الأمر؛ لأنه لا يرى العقيدة أساساً للدولة، بل يرغب في تنحيتها، وهذا مكمن الخطورة.

إن العقيدة الصحيحة هي التي بموجبها تتم البيعة والسمع والطاعة لولي الأمر وعدم الخروج عليه، وهي تدعو الفرد إلى أن يكون مواطنا صالحا محبا لدينه ووطنه وقيادته، ومحسنا للتعامل مع كل مختلف وفق النصوص الشرعية التي جاءت بحمد الله بأحسن حقوق الإنسان على الإطلاق، فليس هناك أي تعارض بين العقيدة الصحيحة وبين حب الوطن وقيادته كما تقدم، ومن زعم أن العقيدة الصحيحة فكرٌ أحادي متقوقع على ذاته لا تتواكب مع المستجدات ومصالح العباد والوطن، فقد ظن بالله وشريعته ظنّ السوء، وسلك مسلك التلبيس.

وخلاصة القول: إن الله أنعم علينا بنعمة العقيدة الصحيحة، وأنعم علينا بحكامنا «آل سعود» الذين ساق الله إليهم شرف نصرة العقيدة، فكانوا أحق به وأهله، ولذلك جعلوها أساساً لقيام الدولة، وأساساً للبيعة والإمامة والسمع والطاعة، مقتدين بذلك بالنبي صلى الله عليه وسلم، فحصل ما وعد الله به من الاجتماع والعز والنصر والتمكين، فنشكر الله على ذلك، ولا نلتفت لمن أراد تهوين العقيدة الصحيحة مهما أورد من شبهاتٍ وتلبيسات، فهي كالزبد الذي يذهب جفاء، بينما العقيدة الصحيحة هي التي تبقى وتنفع الناس.

لا نلتفت لمن أراد تهوين العقيدة الصحيحة مهما أورد من شبهاتٍ وتلبيسات، فهي كالزبد الذي يذهب جفاء، بينما العقيدة الصحيحة هي التي تبقى وتنفع الناس