في إحدى الدول -تقريبا أذربيجان- إن تمت ضيافتك هناك، فسيقدم لك من يستضيفك كوبا من الشاي، نصفه أو على الأقل ربعُه يكون فارغا، وهكذا ستلاحظ ذلك في غالب ضيافاتهم، لأنهم ببساطة لديهم عادة في تقديم الشاي، إذ إنه ما دام لم يقدَّم ممتلئا فهذا دليل على أن صاحب المنزل يعبّر بذلك عن ارتياحه وفرحه ببقاء الضيف في المنزل، أما لو قُدِّم كوب الشاي للضيف ممتلئا، فهذا يعني -في عاداتهم- أن «ورانا شغل غيرك يا حبيبي، نبي نشوف عيالنا وش ينقصهم للمدرسة بكرة».

هي ليست بالخشونة أعلاه، أو بهذا الأسلوب الصريح، ولكن أن يأتي الضيف بلا استئذان، لأنه لم تخترع بعد الهواتف المحمولة آنذاك، وبالتالي لم يقدر الضيف على إرسال «مقاطع واتس الصوتية»، فقد يأتي إلى صاحب الدار، وصاحب الدار في عجلة من أمره لقضاء أي من شؤون دنياه، حتى «إن شاء الله ماسكه معه يحلب بقرته».

فهذه «الشفرة» اللطيفة بينهم تجعل الضيف جالسا وهو يثق في أنه لم يضايق «معزبه»، لوجود عادة واضحة يظهر بها صاحب الدار ما في خاطره للضيف، وهو يثق في أنها لن تجرح مشاعر أيٍّ منهما.

بعيدا عن هذه الدولة وقريبا من هذه العادة، كم منا لديه القابلية أن يحضر ليحلّ ضيفا على أحد ما، وهو على أتم القبول بأريحية أن يوصل إليه صاحب الدار بطريقة أو بأخرى أنه مشغول، ويتمنى أن يغادر الضيف بعجالة؟، أو أن يوصل إليه أنه لا يمكنه أن يدخل المجلس «من أصله»؟.

بشكل مهذب أكثر، كم منا من أحد أوصل إلى زميله في العمل أو جاره في السكن أو حتى أخيه، أن حُسن الظن بيننا، وأن يكون كلنا لطيفا للغاية مع الآخر، هو ما يبقينا على استعداد أن نعيش ونتقابل يوميا مع بعضنا، وكلنا يثق في الآخر أنه لو كان لا يرغب في البقاء معه سيبلغه بكل راحة، لأنه يعلم أنه بشر مثله، له ظروفه وتفاصيل حياته الخاصة.

بشكل أوضح «هل تقبل كوب شاي ممتلئا؟».