في وقت قاد عدم الترابط والتنسيق بين بعض الجهات الحكومية المعنية بحقوق الطفل إلى عدم تفعيل عدد من الأنظمة المحلية التي صدرت لحمايته، وكذلك تعطيل عدد من الاتفاقيات الدولية المتعلقة به والتي وقعت عليها المملكة إيماناً بحقه في الحماية من كل أشكال العنف والإيذاء والاستغلال، جاءت وسائل التواصل الاجتماعي لتعوض كثيراً من النقص في هذا الجانب، حيث لعبت دوراً مؤثراً حرك الجهات المعنية ضد المعتدين على الأطفال، وعوّضت تراخي بعض الجهات في تطبيق الأنظمة، وقادت إلى محاسبة المعتدين.

وبدت جهود بعض الجهات المختصة بالحماية ضعيفة ومخيبة للآمال ولا تليق بالإمكانات الضخمة التي لديها على حسب تعبير المستشار التربوي والأسري أحمد النجار الذي قال «ما تقدمه بعض هذه الجهات لا يليق بالأمانة الملقاة على عاتقها، فهي تنتظر حتى تصل إحدى الحالات لهاشتاق في وسائل التواصل، وبعدها تقوم بالتدخل، ومن ثم إغلاق الملف كأنه لم يكن».

دور مؤثر

يشدد المحامي، المستشار القانوني عاصم المُلا، على أن الملاحقة القضائية الفورية للمعتدين على الأطفال قد تمنع حدوث مشاكل العنف قبل نشأتها، وهو يرى أن هذا الدور يقع بصفة رئيسة على النيابة العامة لأن المدعي العام من حقه أن يُحرّك الدعوة دون تدخل أو شكوى من الأشخاص، وذلك بموجب نظام الإجراءات الجزائية الذي سمح للمدعي العام بإقامة الدعوة دون تقديم شكوى.

وفي ذات السياق يرى المستشار النجار، أن المسؤولية تقع كذلك على جميع أفراد المجتمع الذين يفترض تخليهم عن السلبية تجاه العنف ضد الأطفال، كمن يكتفي بمشاهدة أب يصفع طفله في مجمع تجاري، مشيراً إلى أن البعض يخشى -جهلاً- أن تدخله غير محمي فيحجم عن التبليغ، أو لا يعرف كيف يثبت الحالة، مع أن نظام الحماية من الإيذاء ينص في المادة الثالثة منه «يجب على كل من يطلع على حالة إيذاء الإبلاغ عنها فورا»، كما تنص المادة السادسة من نفس النظام على «يعفى المبلغ حسن النية من المسؤولية إذا تبين أن الحالة التي أبلغ عنها ليست حالة إيذاء وفقا لهذا النظام».

تدرج العنف

يوضح الملا أن تفشي العنف ضد الأطفال تصاعد في الآونة الأخيرة بشكل ملحوظ، وكانت له جذور بدأت قبل 5 سنوات عبر التمثيل في البهائم وتخويف الحيوانات، ثم انتقل الأمر لاستغلال الطفل وجعله مصدرا للاستهزاء والسخرية، كإجباره على تعاطي المعسل وهو لم يبلغ الـ5 سنوات، ومن ثم ضحك المحيطون به على سعاله، وتطور الأمر للعنف ضد المواليد ممن لم يتجاوزوا الأسابيع من أعمارهم، وتعداهم للبقية لاحقا.

أنظمة وبيروقراطية

يرى الملا أن القضاء هو الجهة الوحيدة التي تضمن للطفل حقوقه، فيما تراخت بقية الجهات في تطبيق الأنظمة مثل نظام الحماية من الإيذاء، ونظام حماية الطفل، كما أن البعض يؤيد تعنيف الأطفال حتى بالرد والتعليق على مواقع التواصل، ويرى أن هؤلاء أيضا يجب أن تطالهم المحاسبة، ويقول «لو طبقت المحاسبة على الجهات المختصة لعدم تطبيقها أنظمة الحماية فستطال المحاسبة أكثر من جهة، ووحده القضاء مازال الضامن لحقوق الطفل، فالقاضي ينظر للطفل الحدث بنظام خاص هو نظام الأحداث، ويسمع من الطفل في بيئة مستقلة، ويقف معه ويحاول أن يأخذ له حقوقه المسلوبة».

أدوار الوزارات

يطالب الملا بتنسيق وتقنين العمل بين الوزارات، ويقول «يجب أن ينحصر دور وزارة العمل والتنمية الاجتماعية في الرعاية اللاحقة للجريمة، وإخضاع الطفل للجلسات العلاجية وتغيير البيئة الإجرامية التي كان فيها، كما يفضل إلغاء وحدة الحماية وتحويل البلاغ للشرطة فورا، كما لا بد من إلغاء رقم مركز بلاغات العنف الأسري 1919 واستبداله برقم الشرطة 911 لمباشرة الحالة كجريمة، أما فيما يتعلق بوزارة الصحة فيجب حصر دورها فعليا في تقديم العلاج للطفل وتقييم الحالة وتقدير مدة العلاج وتبليغ الشرطة فورا دون تأخير، مع ضرورة متابعة المستشفيات الخاصة لأن أغلب الجرائم ضد الأطفال لا يتم التبليغ عنها بحجة أنها ارتكبت بالخطأ».

شرطة ونيابة وعدل

يكمل الملا «يجب على جهاز الشرطة اتخاذ الإجراءات اللازمة المنصوص عليها في نظام الإجراءات الجزائية فيما يتعلق بما سيتم اتخاذه عند وقوع جريمة، وذلك فور ورود البلاغ، ومن ثم إحالة القضية للنيابة العامة التي يفضل أن تحيل جميع القضايا المتعلقة بالأطفال للقضاء كي يتم الفصل فيها، وإن كانت الأدلة المتوفرة ضعيفة أو غير كافية».

ويضيف «على وزارة العدل التعميم على المحاكم المختصة بتشديد العقوبة على الجاني في قضايا الاعتداء على الأطفال، والاستناد لجميع القواعد الشرعية التي تقوي جانب تطبيق العقوبة على الجاني وإن كان أبا أو أما، وذلك استنادا لآيات عدة منها (وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ مِنْ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ)، (وَلَا يَقْتُلْنَ أَوْلَادَهُنَّ).

لا يقاد والد بولده

يؤكد الملا أن عدم محاسبة الأب المعنّف أدى إلى تفاقم الأمر احتماء بقاعدة «لا يقاد والد بولده» وصعد بالأمر من تخويف الأطفال والاستهزاء بهم وصولاً إلى قتلهم، ويقول «ضرب والد طفله البالغ 4 سنوات وأصابه بنزف أفضى إلى الموت، وهناك قضية قتل لطفل (8 سنوات) والقاتل هو والده المدمن على المخدرات، وكذلك قضية قتل الطفلة غصون، وهي القضية التي حققت ردعا مباشرا وأُحقّ فيها الحق بقتل الأب وزوجة الأب ولم تطبق قاعدة أن الوالد لا يقتل بولده، وهي قاعدة موجودة ولم تعُطّل، لكنها تطبق بشروط معينة، وهي تستخدم عادة عندما يقوم الأب أو الأم بشكل خاطئ بقتل الطفل، أما ما حدث في قضية غصون فكان أن القتل سبقه تعذيب، ولذا حوّلت المحكمة الحكم من القتل قصاصاً إلى القتل تعزيراً». ويضيف «إذا مورس قتل الجاني بشروطه تعزيرا أو حدا فستقل جرائم العنف بشكل كبير».

تصفية حسابات

يرى المستشار النجار أن كثيراً من جرائم العنف ضد الأطفال يكون دافعها تصفية حسابات بين والدين مطلقين، حيث يتم الانتقام بالأبناء، ويقول «رأيت أسراً تعذب أطفالها من ذوي الإعاقة، وتضعهم فيما يشبه الزنزانات في البيوت، وهذه التصرفات تقابل بالسلبية من أفراد المجتمع».

من جانبها، شددت استشارية الإرشاد النفسي والأسري الدكتورة هبة حريري، أن هناك فرقا شاسعا بين التأديب والإيذاء، وقالت «لا ينبغي للمربي أن يعاقب الطفل على سلوكيات قد يظنها خاطئة بينما هي طبيعية في عمره، والتأديب هدفه تعديل السلوك وليس إيذاء الجسد، والضرب والعنف ليس وسيلة تربية».

بدوره، رأى المحامي وائل الغامدي، أن التأهيل الذي تقوم به وزارة العمل والشؤون الاجتماعية للأطفال المعنفين في الدور الخاصة بهم سيكون أكثر إيجابية، إن تم تقديم برامج توعوية لكافة أفراد المجتمع ككل تهدف إلى رفع الوعي، ووقف العنف ضد الأطفال.

وأكدت المحامية غدير داغستاني أن المسؤولية الاجتماعية تقع على عاتق على كل فرد في المجتمع ويجب التصدي لظاهرة العنف التي تفشت بكثرة في الآونة الأخيرة، وأخذ الأمر بجدية وعدم التهاون فيه أو السكوت عنه أو الاستهزاء به.

غياب المعلومات

لا تتوفر أرقام أو معلومات إحصائية دقيقة عن حالات العنف والإيذاء ضد الأطفال، مع أن المادة الثانية في اللائحة التنفيذية لنظام حماية الطفل نصت على رصد وجمع وتوثيق البيانات والمعلومات المتعلقة بإيذاء الطفل، أو إهماله، أو عدم تمكينه من حقوقه على مستوى المملكة، من قِبل وزارة الشؤون الاجتماعية بهدف الاستفادة منها في وضع آليات لعلاج تلك الظاهرة.

وتواصلت «الوطن» مع مركز خدمة العملاء في وزارة العمل والتنمية الاجتماعية 19911 ومن ثم مركز بلاغات العنف الأسري 1919 للسؤال حول الإحصائية المتعلقة بعدد حالات العنف ضد الأطفال، وطلب المركز إرسال المطلوب عبر إيميل زودنا به ليقدم لنا المعلومات، لكننا لم نتلق منه أي رد حتى ساعة إعداد هذا التقرير.

بعض حالات العنف ضد الأطفال

2006

مقتل الطفلة غصون

2012

وفاة الطفلة المعنفة لمى

2016

أم تعنف طفلها

2016

أب يقيد ابنه بالسلاسل والأقفال

2017

تعنيف رضيعة في مكة المكرمة

2018

طفل في خميس مشيط يعنف من

زوج أمه

2018

أم تخنق طفلتها الرضيعة

2019

تعنيف رغد وأخواتها

2019

تعنيف وتعذيب طفل بالولاعة

2019

أب يعنف ابنته الرضيعة