يعتبر مصطلح الحضارة مصطلحا حائرا في أذهان المفكرين وفي كتاباتهم، حيث يعبر عنه بعدة أوجه وتعاريف عديدة. وهناك كثيرون ممن كتبوا عن الحضارة وأوسعوها طرحا، كالجزائري مالك بن نبي، وأيضا الأميركي ويل ديورانت الذي ألف موسوعة كاملة تتحدث عن الحضارة. وفي الجملة فإن هناك من يعرف الحضارة بأنها مقدار ما ينتجه المجتمع من المعارف والفنون والآداب. وهناك من يعرفها بأنها جميع الأشكال المادية والمعنوية للمجتمع والمتشكلة في المباني والعمران. وفي الحقيقة فإن هناك خلطا كبيرا بين مفهوم الحضارة ومفهوم آخر يعتقد كثير من الناس أنه مرادف لمعنى الحضارة، ألا وهو مفهوم المدنية، فالفرق الجوهري بين الحضارة والمدنية يكمن في أن الحضارة تتحدث عن (الفكر) الذي ينتجه المجتمع نفسه، وهذا الفكر يكون عن طريق المعرفة والآداب والفنون (معنى معنوي) والتي تكون أصيلة نابعة من أبناء المجتمع، أما المدنية فهي جميع الأشكال المادية (دلالة مادية) الظاهرة في المجتمع، والتي تأتي كانعكاس لفكر غربي أو شرقي، والتي تتشكل كما قلنا من البناء والعمران المدني. فيمكن أن نقول إن الحضارة هي عبارة عن فكر ومدنية، ولنأخذ مثالا يوضح الفرق بينهما، فمثلا نستطيع أن نطلق على المباني التاريخية والموجودة مثلا في حارات دمشق القديمة والمساجد التاريخية في القيروان وبغداد والبيمارستانات والحمامات المبنية على الطراز الإسلامي، يمكن أن نصفها بأنها أبنية مستمدة من الحضارة الإسلامية (بناء حضاري)، أما لو تحدثنا عن الأبنية والأبراج الحديثة الموجودة مثلا في دول الخليج فإننا لا نسمي ذلك النوع من العمران بالعمران الحضاري، وإنما نسميه (بالعمران المدني)، لخلوه من الصبغة الإسلامية الحضارية، حيث إنه يعتبر بناء حديثا مقارنة بغيره من الأبنية الإسلامية الأخرى، إضافة إلى تدخل اليد الغربية في رسم وتشكيل ذلك النوع من البناء. ومما يميز البناء الإسلامي الأصيل عن البناء المستورد أنه يعطي صورة واضحة عن تاريخ وهوية البلد، إضافة إلى كونه مرتعا للسياح الأجانب الذين قدموا لرؤية أماكن وقصور وقلاع مختلفة تماما عما يرونها في بلادهم، ولذلك فإن الحاجة تدعو إلى الحفاظ على هذه الأماكن والعناية، والحرص على ترميمها ترميما لا يخالف النسق الذي بُنيت عليه.