يقول الدكتور ظافر القرني في كتابه «أسماء الأشياء والعلم والتقنية الإعجاز العلمي العظيم»، كلمة مصطلح جاءت مترجمة إلينا، وإلا فالاسم أعمّ وأشمل وأجدر بالتأصيل والنشر، ولو سألت عالما ما عن المصطلح؟ لقال هي أسماء اصطلح عليها. هذه التسمية «المصطلحات» فيها شيء من الخلل الذي يوصل إلى تجزئة المعرفة حسب مصطلحات كل فن، دون النظر فيما يتصل به من معارف كثيرة. أثبتت التقنية تنامي روح العلوم وتكاملها. فقد تمكّنا من معالجات الكلمات بهيئة رقمية، كما تعالج الأعداد سواء بسواء في برامج الهندسة المساحية ونظم معلومات الجغرافيا. ليتبين لنا أن المشكلة في عدم وجود الاسم. وكذلك تحرير الثوابت الرياضية كيف أتت. الإنترنت وتقنية النانو، يتبادر إلى الذهن أن تسميتها ذات علاقة طردية بتناهي صغرها، لكن يطول اسمها أكثر! مما يعني قصور علم الإنسان بالتسمية الدقيقة. وإن كنت أتفق معه على الإجمال والتفصيل في أن العلوم متكاملة، ولا يستغني بعضها عن بعض رغم التجزيء وكثرة التخصصات، إلا أن أنني أرى أن التخصص ليس تجزئة بقدر ما هو ضرورة تتجاوب مع ضعف الإنسان، قال تعالى: «وخُلق الإنسان ضعيفا»، تفرضه طاقة الإنسان العقلية المحدودة. ولنا أن نستدل بالآية: «ما جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِّن قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ»، في أهمية التخصص وتوفير الجهد. فسّرها ابن كثير بأنه لا يمكن الجمع بين النفاق والإيمان إلا أنها تفيد بالتركيز، تركيزا منافيا لشتات الصدر. والمحقق أوالمطالع لما جاء في نصوص القرآن والسنّة، سيحصل على ما يتأصل به لتقسيم العلم والمعرفة بتسمية دقيقة ومنهجية. هناك دليل على تقسيم العلم، قال تعالى: «يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِّنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ»، نفهم من هذا أن العلم دنيوي ظاهري: كيمياء وفيزياء ورياضيات، والعلوم البحتة. وعلم أخروي: علم الشريعة. في سورة الغاشية، هناك إيحاء بأنواع العلوم والتكامل من باب الإيمان والتفكر: «أفلا ينظرون إلى الإبل كيف خلقت»، مثال أعلى لعلم الأحياء، «وإلى السماء كيف رُفعت» أيقونة لعلوم الفضاء، «وإلى الجبال كيف نُصبت» رمزية لعلم الجيولوجيا، «وإلى الأرض كيف سطحت» مدخل لعلم الجغرافيا. الدليل من السنة يتجلى في دعاء الرسول- صلى الله عليه وسلم- اللهم إني أعوذ بك من علم لا ينفع. نستنتج منه أن هناك نوعان: علم مفيد وعلم غير مفيد. البلاغة النبوية أخبرتنا بأنها «ستكون معادن يحضرها شرار الناس» ثقفتنا عن تسمية دقيقة في علوم مادية صرفة «معادن». وفي الآية: «وَجَعَلَ لَكُمْ سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ وَسَرَابِيلَ تَقِيكُم بَأْسَكُمْ»، ما يجعلنا نعيد بعض أسماء الآلات العسكرية بشكل صحيح. الخلاصة، أن المعرفة لا تتجزأ، لكن تتكامل وتترابط، وما يصنع الفجوة ويخلق التجزئة هو الجهل بالتسمية.